مع (بخادير إيمانغولييف) الحياة حلوة، ولها معنى عميق. بخادير، مواطن أذربيجاني طيب للغاية كجميع أهل وشعب بلاده البسطاء. بطلنا جامعي قدير، وصاحب خلق رفيع، ومثقف كبير، وصحفي قديم وكاتب شهير جدًا وشخصية متقدمة في جمهورية أذربيجان الشقيقة المُسلمة. تستمر صداقتنا ورفاقيتنا الثنائية والعائلية، ويتواصل سبيلنا المشترك وتنسيقاتنا يوميًا منذ آب 1978، وهو التاريخ المشهود الذي أسس في مسيرتنا المشتركة إلى علاقات إعلامية وثقافية واسعة، وفتح الأبواب لصداقات كبيرة وعميقة بين شعبينا الأردني والأذربيجاني.
إنه (بخادير) الحبيب، رفيق الدرب الطويل الذي بقي على الوعد والعهد طوال تلك السنوات بما فيها من نجاحات وعثرات، لكننا انتصرنا على مراراتها وسلبياتها، لتبقى حلاوتها مُلك لنا. تبادلنا الخبرات والدعم الثنائي وشددنا أزر بعضنا بعضًا، حتى تمكّنا برفاقيتنا وأُخوّتنا من بناء أرضية صلبة، يتعارف من خلالها المناضلون بالكلمة في بلدينا على بعضهم البعض، في سبيل قواسمنا المشتركة كبلدين إسلاميين شقيقين، وشعبين يتحليان بإنسانية عميقة، وأهداف متشابهة وإن اختلفت مهامهما التحررية جغرافيًا، لكنها تصبُ في مصب واحدٍ.
في الحقيقة، لم تكن علاقاتي مع الأخ بخادير هي الوحيدة مع الأشقاء الأذربيجانيين. فمنذ أواخر ستينيات القرن الماضي، أسستُ أنا علاقات ممتازة مع الإذاعة الأذربيجانية التي توقف بثها للأسف الشديد في عهد “البيريسترويكا”، وإلى الآن. كذلك، كانت علاقاتنا أنا وزوجتي أخوية ومتشعبة في تفعيلاتها وإعلامية وعائلية طيبة وأخوية مع الدبلوماسي السوفييتي الأذري في السفارة السوفييتية في عمّان، المرحوم إيلمان أراسلي وعقيلته إلفيرا أراسلي. الصديق أراسلي عاد بعدها إلى الأردن للمرة الثانية في عهد أذربيجان المستقلة، كأول سفير لبلاده لدى المملكة الأردنية الهاشمية. كذلك كانت علاقاتي ذات إفادة إعلامية وثقافية مع المرحوم المواطن الأذربيجاني الكبير عادل قربانوف، أول مدير عام على المركز الثقافي السوفييتي في الأردن، والذي عمل بعدها رئيسًا لتحرير الجريدة السوفييتية الشهيرة “أنباء موسكو”، التي صدرت طويلًا بالعربية، وكان لي الشرف في قبول دعوة الأستاذ قربانوف للعمل لديه في هذه الصحيفة خلال دراستي الجامعية في “جامعة موسكو الحكومية م.ف. لومونوسوف”، خلال سنوات 1978 – 1979، وكان الصديق الأمثل والزميل الأفضل.
خلال علاقاتنا الثنائية وتفاهماتنا الكاملة، قَدّمنا بخادير وأنا، الكثير لشعبينا الأردني والأذري، وساهمنا بمزيد من تعريف أُمتينا الأذرية والعربية على بعضهما البعض، ونشرنا الجديد المتواصل من المعلومات والاقتراحات والأعمال في هذا المنحى، وكشفنا عن مكنونات جديدة للتواصل، ومديات الأبعاد التاريخية التي يرتبط بها العرب والأذريون، وضرورة تعزيز التواصل ومواصلة تعميقه بينهما. فالجغرافيا “تشتغل” لصالحنا، فهي مُسطّح متصل ومنبسط كَ “كف اليد” بين عاصمتينا، والتواصل برًا بين بلدينا ولا أسهل منه، وكذلك هو السفر بالاتجاهين صوب العاصمتين، إذ أن الوصول من العاصمة عمّان إلى مدينة العقبة جنوبًا برَّا، هو أطول زمنيًا من السفر بالطائرة من عمّان إلى العاصمة الأذرية باكو، فبعد (3) ساعات من الطيران المتواصل على أكثر تعديل، يُمكننا الولوج إلى أي مطعم أذري في باكو القزوينية الجميلة الأخاذة، لتناول أشهى الأطعمة وأطباق المشاوي الشرقية على شاطئها البحري الجميل، مشفوعًا بنكهة قوقازية تشتهر بها هذه الدولة الأذرية الشقيقة، ليس على صعيد إقليم القوقاز فحسب، بل وفي الشرقين الآسيوي والعربي وفي العالم، فما أزال أذكر في هذا الصدد، أن واحدًا من أشهر مطاعم العاصمة الروسية موسكو، هو المطعم الأذربيجاني في شارع (أرباط) الشهير، الذي تأسس باسم عربي لطريق الحرير العربي الروسي الحديث، في عهد القيصرية الروسية.
في آب / أغسطس العام الحالي 2021، نحتفل أنا وبخادير، بالذكرى الـ43 على تعارفنا وصداقتنا التي بدأت في كلية الصحافة لجامعة موسكو الحكومية، وفي المسكن الداخلي لطلابها السوفييت والعرب والأجانب، في (شارع شفيرنيكا) العريق بموسكو، وها هي صداقتنا تستمر وتتألق إعلاميًا وثقافيًا من خلال كتاباتنا لشعبينا عن علاقات بلدينا الشقيقين بموادٍ يتم نشرها في الصحيفة الأولى في أذربيجان، وفي أهم الصحف ووكالات الأنباء الأذرية باللغة الأذربيجانية، وبغيرها من اللغات العالمية الرئيسية التي ضمنها العربية، وهو ما يؤكد الدور الكبير والمفصلي للصداقة والتآخي التي يَصنعها الأفراد لتتقارب الشعوب وتتفاهم وتزهر علاقاتها.
لقد أَسست صحافتنا الأردنية والأذرية المحروسة باقلامنا الملتزمة بالمبادئ العليا وخدمة بلدينا، إلى علاقات ذات محتوىً راقٍ ومُفيد لناسنا. ونحن إذ نفتخر بأننا نستمر في السير على هذا الطريق، والبناء عليه، سنبقى مُعززِّين له بأجيال جديدة من المؤمنين به عربًا وأذريين.
*متخصص قديم بشؤون أذربيجان.