كتب – ماهر أبو طير –
تعد قضية الأمير حمزة، القضية الأكثر اثارة للرأي العام في الأردن، خلال العقدين الماضيين، وربما لم يمر على الأردن، مثل هذه القضية، بتعقيداتها ووجود اطراف داخلية وخارجية فيها.
انقسم الرأي العام في الأردن الى ثلاثة اقسام بعد إحالة د.باسم عوض الله والشريف حسن الى المحكمة، القسم الأول رفض الرواية كلياً واعتبرها مجرد فبركة لحرق سمعة الأمير، وهذا القسم هوايته غالبا رفض كل الروايات الرسمية، والقسم الثاني صدق الرواية مع الأدلة التي قدمتها الجهات الرسمية، والقسم الثالث صدق القصة لكنه كان يعتبر ان هناك سوء إدارة وانه كان بالإمكان معالجة القصة، سراً، بوسائل سياسية وامنية، دون إشهارها امام سكان الكوكب.
لا بد ان يقال أولا ان القصة محرجة للملك شخصيا وانسانيا وفي موقعه حاكما للأردن وهو لم يكن مضطرا ان يشهر القصة، بهذه الطريقة، خصوصا، انها تمس العائلة، ووحدتها، وعلاقاتها الداخلية، وتجعل اطرافا كثيرة داخلية وخارجية تنقسم امامها، وتطرح سيناريوهات حول استقرار الأردن، وبهذا المعنى فإن معالجة القصة سرا، وبعيدا عن الرأي العام، على مستويات الأمير حمزة، ثم ثنائية عوض الله والشريف حسن، وغيرهما، كان افضل للملك، والمؤكد هنا ان معالجتها علنا لم يكن خيارا مفضلا عند الملك، بل هو خيار مكلف، لكنه كان اضطراريا، ويقال هذا الكلام لمن يعتقدون ان إعلانها يعبر عن سوء إدارة وتسرع عصبي.
بعد إحالة د.عوض الله والشريف حسن الى المحاكمة، تعددت الآراء مجددا، وفي تفسيري انه قد تكون هناك حلقات ناقصة، لم يتم كشفها حتى الآن، ومعلومات امنية بقيت سرا، لم يتم الإعلان عنها حتى الآن، لاعتبارات مختلفة، ولولا ان الجهات الرسمية متأكدة من صدقية روايتها، لما أعلنتها أساسا، ولما وصلنا الى هذه المرحلة، من المحاكمة، وانتظار صدور الاحكام لاحقا.
هذه القضية واضحة، اطراف تولت عطاء اقناع الأمير حمزة، بكونه بديلا للملك، على أساس التوهيم بوجود مشروع دولي واقليمي داعم له، وربط هذا التوهيم بإدارة الرئيس الأميركي السابق، وصهر الرئيس، وهذا يفسر ان الإدارة الأميركية الجديدة هي التي أبلغت الأردن عن المعلومات الأولية، وبما اثبتته المراقبة، فالإدارة الجديدة تريد فضح العهد السابق في واشنطن، كونه كان يخطط للعبث في دول مستقرة، واذا كان ابلاغ الأردن يحقق مصلحة أميركية تتقاطع مع مصلحة الأردن، في ابطال المخطط، فإن الصعيد الأردني ذاته له حسابات قادت الى المعالجة العلنية، وليس السرية لكل هذا الملف، بما فيه من حساسيات وتأويلات واحتمالات.
على الصعيد الأردني، وكما اشرت سابقا، يعد هذا الملف محرجا للملك، ولم يكن يود ان يجد نفسه وعائلته امام هكذا قصة، لولا انه اكتشف بنفسه ان هناك مشروعا دوليا لبث الفوضى، والاستثمار في الغضب الشعبي، والكارثة ان من تولى إدارة هذه اللعبة بالوكالة، اشخاص استثمرت بهم الدولة، طوال عمرها، في الوقت الذي كان الأردنيون يعترضون على سياسات د.باسم عوض الله، ويحذرون منه، ومن علاقاته وتحركاته، فلم يسمعهم احد، بل حظي بحماية إضافية، وثبت بعد هذه السنين، ان تحذيرات الناس، ونظرتهم في الرجال لا تخيب ابدا.
حقق الإعلان عن القصة غايات اردنية مختلفة، ابرزها إيصال رسالة للناس ان هناك مؤامرات دولية على الأردن، وان ليس كل مظاهرة او مسيرة بريئة، وقد تكون بريئة فيتم الاستثمار بها، من جانب قوى مختلفة، مثلما ان الإعلان حقق غاية تؤكد قوة الدولة، وعدم ضعفها، حتى لو كانت الحكومات ضعيفة في الأردن، الا ان النظام ذاته ما يزال قويا، ويحظى بإجماع داخلي، في ظل مجتمع يعاني من مصاعب عدة، لكنه لا يريد التفريط بدولته، كما ان الإعلان عن القصة طرح سؤالا يقول ماذا لو نجح المخطط، وانقسم الناس، ودبت الفوضى، على خلفية هذا المخطط، والى اين كنا سنصل، في بلد صعب تعد تركيبته من اعقد التركيبات.
بعد إحالة الأدلة والوثائق، فإن تكذيبها يعد نوعا من العناد لكنه حق مكفول للمحامين، ولا بد ان يقال أيضا ان القصة محرجة للملك، ولم يكن يود إنسانياً ان يرى نفسه وعائلته وسط هكذا ظرف مؤسف، وهو لم يضطر لمعالجة القصة علنا، لو كانت معالجتها سرا، مجدية ومفيدة.