رسمي محاسنة
مسلسل “الدوار العاشر”،منذ الحلقة الاولى، وكثيرون يعولون عليه،ليكون بداية نهضة عودة للدراما الاردنية، وان تنهض من سباتها الطويل،لتسجل حضورها على مستوى الدراما المحلية والعربية.
في شارة المسلسل، تتوقف الكاميرا عند كلمة “تاكسي”وباللون الاصفر، لتضع المشاهد في اجواء العمل، فالمعروف ان سيارة”التكسي”تتحرك في كل المناطق، الشعبية والغنية، كما ان ركابها من كل الطبقات الفقيرة والمتوسطة والغنية، وهذا الاستهلال الذكي، حتى ندخل في فسيفساء المكان، ويبرر دراميا، لقاءات الشخصيات وتشبيك علاقاتها،والاطلالة على اشخاص وسلوكيات،وتصوير بيئة، تكون بمثابة مفاتيح للتواصل مع العمل.
ونتوقف عند الصورة البصرية المستدة الى سيناريو ذكي ،ومكتوب بعناية،ومخرج لدية الرؤية الواعية، لتحويل هذا النص الى معادل بصري،بعيدا عن اللغو والزوائد التي مللنا من مشاهدتها، او الثرثرة التي لاتفيد العمل، وتجعله يدور حول نفسه، ونقلات قد تبدو للبعض انها متباعدة، لكنها حكايا “المدينة”هنا وهناك، وشخصيات تتحرك بيننا ، وتعكس هذا التنوع والتناقض احيانا، واطلالة على المكان باهله، كل حسب موقعة ومكونات تشكيل شخصيته،وبالتالي سلوكه الحياتي والمهني باشتباكاته مع الحياة والناس،في تصاعد منطقي للحدث الدرامي.
“الدوار العاشر” شخصيات قريبة منا، نكاد نعرفها، اما مواجهة او بما سمعناه عنها، شخصيات ليست بمعزل عن واقعها، او انها قادمة من مكان اخر،فالسيناريو حرص على رسم هذه الشخصيات بشكل تثير الاسئلة والقلق احيانا عند المتلقي،وقدمها المخرج بشكل مغاير عن “التلقي الكسول”،انما اشراك المشاهد بمتابعة خطوط التلاقي والتضاد بين هذه الشخصيات، بالتحرك في مساحات افقية وعامودية، بعيدا عن بلادة الكاميرا.
مسلسل”الدوار العاشر”، هو مسلسل الصورة، التي حولت السيناريو المكتوب الى منطوق بصري،بايقاع متماسك،واداء مدروس، فالمخرج امسك بعناصر العمل،وفي موضوع الاداء، فيبدو انه كان هناك نوع من المنافسة بين الممثلين بتوظيف ادوات الاداء”الداخلي والخارجي” عندهم ،بما يخدم الشخصية التي يقدمها،هذا الاداء الذي عبرت عنه رشاقة حركة الكاميرا، بزاوية اللقطة،وحجمها،وان كثير من الممثلين لم نعهد منهم هذا الاداء، والبعض منهم تم ضبط الاداء عنده،ولم يكن هناك اجتهادات خارج مايخدم الشخصية، بحركتها وانفعالاتها، انما كل لقطة محسوبة بقراءة واعية للشخصية.
ويذهب الكاتب”د.محمد البطوش” الى مجموعة من القضايا الراهنة، التي تهم المجتمع الاردني، وناقش بعضها بجرأة عالية،فاذا كان موضوع اّفة المخدرات يشكل المحور الرئيس للنص، فان هناك اشتغال على قضايا مقلقة اخرى، مثل موضوع المدارس الخاصة على سبيل المثال.
مسلسل”الدوار العاشر”،عمل يتحرك في المدينة، ولاول مرة نشاهد “عمان”، في الدراما بهذا الشكل،بلقطات فنية من زوايا مختلفة، تعكس نبض المدينة، الناس والمكان والمؤسسات، ولاول مرة يتم تقديم القوات المسلحة الاردنية، والاجهزة الامنية، في استعارات من واقع ماتقوم به،وتنفيذه فنيا،ولم يتم تقديمها كضرورة لمشهد عابر، او “كومبارس”، انما برؤية منسجمة وامينة مع دورها،وزاد على ذلك ان المسلسل، يقدم الجانب الانساني في حياة افراد القوات المسلحة، ورجال الامن،دون مباشرة او شعارات، انما بسلوكيات وحوارات متناغمة مع طبيعة الجندي الاردني في كل مواقعة،ولعل مشهد ضابط التحقيق في دائرة مكافحة المخدرات، عندما يرفض قرار زوجته بتاثيث البيت،لانه لايمتلك الا راتبه الذي لا يقدر به على تلبية طلبات استهلاكيه، كان مشهدا مؤثرا ومقنعا، مثله في ذلك، مشهد العسكري وهو يحكي لزميله عن ابنه الوليد الجديد الذي لم يشاهده.
في التفاصيل يحتاج الامر الى حديث طويل،انما هنا اشارات من قلب عمل درامي، نامل ان يكون بداية اعادة الوهج للدراما التلفزيونية الاردنية،وربما اداء الممثلين يحتاج الى مقالة منفصلة، حيث الفنان”منذر رياحنه” بادائه المنضبط، والمنسجم مع تقلبات حياته، وعدم استقرار وضعه المادي، والفنانة”مارغو حداد” في اداء شخصية مركبة،والفنانة”ريم سعادة” في اداء مميز لها، والنجمة”عبير عيسى” بدور قصير،واداء عال،والفنانة”صفاء سلطان”، وكذلك الفنانين”محمد المجالي،وساري الاسعد،ومحمد الابراهيمي،و”رشيد ملحس،وسهير فهد،ومنيا قديسوجميل براهمه،وعمر حلمي،وعاكف نجم،وعايد علقم، الذي اعتقد ان ماقدمه من اهم الادوار في مسيرته الفنية”،ونستطيع القول ان الاداء في المسلسل كان منسجما مع طبيعة كل شخصية.
من المؤكد ان هناك بعض الملاحظات على العمل، ويبدو ان هناك بعض التعليقات على المسلسل ،ليست من داخل العمل نفسه، انما لاسباب مختلفة،ورغم ذلك فان التكامل بين مؤسسة الاذاعة و التلفزيون الاردني كجهة منتجة،والكاتب المبدع”د.محمد البطوش”،والمخرج الموهوب”محمد لطفي”، وفريق التصوير،وجميع الممثلين المشاركين، والفنيين والاشراف، هذا التكامل هو مانحن بحاجة اليه،بالعمل وسط بيئة صحية، وميزانية مريحه.