– منعوني من الاستحمام لمدّة ستّة أيام.
– ربطوني بأسلاك كهربائية لمدّة ثلاثة أيام.
– كانت أسئلة التحقيق شخصية جدا.
– عند اعتقالي صادروا كلّ شيء في البيت وأرعبوا أطفالي
– مكثت في مركز التحقيق حوالي 34 يوما.
– الزنازين التي نُحتجَز فيها لا تصلح للعيش الأدمي.
المقدمة:
لأنّ العالم غدا قريةً صغيرة، أصبح معرفة ما يجري به ليس بالأمر الصعب، وأصبح أكثر إلحاحاً من ذي قبل، وباتت معرفة الآخر، أي المحتّل، المغتصب للأرض ولآدمية الإنسان وانتهاك حريته، واضحة، هذا هو حال الإنسان الفلسطيني٠
هي حالة الأسيرة ياسمين شعبان التي كانت مرآة هذا السّجان الذي لا يعرف غير لغة القتل والاعتقال، لا لشيء إلاّ أنْ يرفض الفلسطيني ممارسة حقوقه، كإنسان يريد العيش بكرامة في وطنه؛ هذا الوطن الذي أصبح مجرّد ذكر اسمه “فلسطين” تهمة يجب المعاقبة عليها والزجّ في دهاليز السجون؛ وكأنّ هذا الاسم غائب، إنّها صراع ذاكرات، ذاكرة توثِّق تاريخية وجوده، وذاكرة تريد إلغاء هذه الذاكرة، واستبدالها بخرافات لا تمتّ للمنطق، ويقف العقل عاجزًا عن فهم هذه الترهات، التي أصبحت كياناً يعاقب أهل الدار.
قاومت الأسيرة ياسمين شعبان وقرّرت ألّا تبتل ذاكراتها في خانة النسيان، وعند ماج ضوء زنزانتها على هذا المكان البغيض، قرأت ياسمين صورة المكان الذي هو ملكها، وإنْ جاء على شكل زنزانة، فكلّ ذرّة تراب في هذه الجغرافيا الفلسطينية، هو وطنها الذي لا بديل عنه. فاليمن في هذه الصورة الاحتلالية الإسرائيلية بقايا أيام، ستزول أجلاً أو عاجلاً.
ياسمين شعبان في الكتابة عن تجربتها، كأنّها انتبهت إلى وجودها في الكلمة، وكانت الكلمة:
حاورها سليم النجار- غصون غانم.
الأسيرة المحررة ياسمين شعبان:
أمضت الأسيرة ياسمين شعبان في سجون الاحتلال سابقًا خمس سنوات وأُفرج عنها عام 2019، وهي متزوِّجة وأمّ لأربعة أبناء. الأسيرة ياسمين تيسير شعبان من قرية الجلمة شرق جنين، حُكم عليها بالسجن 6 سنوات اعتُقلت الاعتقال الثاني في الأوّل من أذار/مارس عام 2022 توفي والدها خلال مكوثها في السجن وحرمها الاحتلال من وداعه.
قامت قوّات الاحتلال بمداهمة منزلها حوالي الساعة الثانية والنصف ليلاً، وقاموا بخلع أبواب المنزل وتفتيشه وعبثوا بمحتوياته وصادروا جميع الأجهزة الخلوية، وأرعبوا أبناءها الأربعة وتمّ بعد ذلك تقييد يديها وتعصيب عينيها ومن ثمّ اقتادوها إلى حاجز الجلمة، وبعدها لمركز التوقيف في سالم ومن ثمّ إعادتها مرّة أخرى إلى مركز التحقيق في الجلمة حيث عانت الأمرين خلال عملية اقتيادها من منزلها وخلال استجوابها داخل أقبية الاحتلال.
الأسيرة المحرّرة ياسمين شعبان أمّ ومناضلة وهي المرأة الفلسطينية أيقونة النّضال من أجل أنْ ينعم أطفالها بالحرية والسلام:
مكثتُ في مركز تحقيق الجلمة حوالي 34 يوماً، كنتُ خلالها ممنوعة من لقاء المحامي مدّة 13 يوما، وكنتُ خلال التحقيق مقيّدة اليدين والقدمين وذلك على كرسيٍّ ثابتٍ الأمر الذي تسبّب لي بآلام في الظهر والرقبة والأكتاف، ومنعوني من الاستحمام لمدّة 6 أيام، وكانت أصعب مرحلة في التحقيق عندما أجلسوني على جهاز كشف الكذب وقد هدّدوني في حال رفضت سوف يستخدمون معي أسلوب تحقيق أصعب من ذلك، فقد أجلسوني 3 أيام متواصلة من الساعة الثامنة صباحاً لغاية الساعة السابعة مساء وكلّي مربوطة بأسلاك كهربائية وممنوعة من أي حركة، فإذا أغمضت عيني أو رمشت يعيدون الأسئلة من جديد، والأسئلة التي كانوا يسألونها كانت أسئلة شخصية جدّاً بالإضافة إلى أسئلة عن القضية وهذا الشيء كان يزيد الضغط علي، كانت أصعب أيام حياتي هذه الثلاثة أيّام التي كانت بجهاز كشف الكذب؛ بقيتُ 34 يوماً بالجلمة حقّق معي خلالها عدّة محقِّقين ثمّ نُقلتُ بعدها إلى معتقل “الدامون” وهناك حيث الزنازين التي كنّا نحُتجز فيها طوال التحقيق كانت لا تصلح للعيش الآدمي، فالزنزانة ضيّقة جدّا تحت الأرض، والأبراش من باطون، والحمام (المرحاض) بدون ماء ذو رائحة كريهة، والضوء أصفر خافت مزعج للنظر، والحيطان خشنة بارزة من الصعب الاتّكاء عليها، والهواء بارد، والأكل سيّء جدّاً ولا يؤكل، المكان عبارة عن قبر بشع، لا يصلح حتّى للحيوانات، الحياة فيه عذاب مستمر، ومساحته متران في متر، والمرحاض هو جزء من الغرفة، متّسخ مقرف لا يصلح للاستعمال، ولا يوجد فيه مواد تنظيف، بجانبه حنفية صغيرة، كنت أضطر لتعبئة الماء منها للشرب في قنينة صغيرة، ونفس القنينة التي أشرب منها أعبئها لأنظِّف جسمي، لم أستحم إلّا مرّة واحدة فقط، وكانت هذه الغرفة شديدة البرودة، لا يوجد فيها سوى بطانية مهترئة ومتّسخة، عانيت كثيراً من البرد ومن أوجاع في العظام .
وحدات “القمع واليماز” التابعة لإدارة المعتقل تقوم باقتحام غرفتي باستمرار وتقوم بسحبي منها بشكل همجي. يتمّ تفتيش الزنزانة عدّة مرّات خلال اليوم وفي الليل وبشكل مهين، حيث يتمّ تقييد يديّ إلى الخلف خلال التفتيش.