*القائم بأعمال سفارة الصين لدى ليبيا
يمر عالم اليوم بتغيرات متسارعة لم يسبق لها مثيل منذ قرن، ويقف المجتمع البشري مرة أخرى عند مفترق طرق: إلى أين نذهب. ويشهد العالم صعودا جماعيا لدول الأسواق الناشئة والدول النامية، وزخما قويا لتعددية الأقطاب ودمقرطة العلاقات الدولية. وفي الوقت نفسه، تظهر القضايا والتحديات المتعاقبة في العالم. لم تخمد نيران الأزمة الأوكرانية بعد، ويتصاعد دخان الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من جديد، ويواجه انتعاش الاقتصاد العالمي صعوبات، وتبرز التهديدات الأمنية الجديدة واحدة تلو الأخرى في مجالات الطاقة والمناخ والبيولوجيا والذكاء الاصطناعي.
في ظل الأوضاع الدولية المعقدة، طرح الرئيس الصيني شي جينبينغ مفهوم بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية عام 2013، والذي أجاب بشكل معمق على سؤال أثاره العالم والتاريخ والعصر “إلى أين تتجه البشرية”، وقدم الإجابة الصينية على سؤال “أي نوع من العالم الذي يجب بناؤه وكيفية بنائه”. ويهدف مفهوم بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية إلى بناء عالم يسوده السلام الدائم والأمن العالمي والرخاء المشترك والانفتاح والشمول والنظافة والجمال، وترجمة مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية على أرض الواقع، والتشارك في بناء “الحزام والطريق” بجودة عالية، وذلك من أجل تعزيز التعاون بين دول العالم في مواجهة التحديات وتحقيق الازدهار المشترك.
انعقد اجتماع للأعمال الدبلوماسية للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني نهاية عام 2023، حيث حدد إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية كهدف نبيل لدبلوماسية الدولة الكبيرة ذات الخصائص الصينية. أكد عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني وزير الخارجية وانغ يي عند إجابته على أسئلة الصحفيين حول سياسة الصين الخارجية وعلاقاتها الدولية قبل فترة، على أن بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية قد بات راية مجيدة تقود تقدم عصرنا اليوم. في ظل البيئة الدولية التي تتشابك فيها التحولات والاضطرابات، ستكون الصين بعزيمة ثابتة قوة للسلام والاستقرار والتقدم في العالم.
من أجل مواجهة القضايا الهامة والتحديات الكبرى في عالم اليوم، ندعو إلى تعددية الأقطاب العالمية المتسمة بالمساواة والانتظام والعولمة الاقتصادية المتسمة بالنفع للجميع والشمول. إن تعددية الأقطاب العالمية المتسمة بالمساواة والانتظام تتطلب الالتزام بالمساواة بين كافة الدول، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، ورفض الهيمنة وسياسة القوة، ورفض احتكار عدة الدول للشؤون الدولية، ولم يعد بإمكاننا أن نسمح لصاحب القبضة الأكبر بحصر القرار، ناهيك عن ضمان جلوس بعض الدول على مائدة الطعام وإبقاء البعض الآخر في قائمة الطعام. ويجب ضمان مشاركة كافة الدول في عملية تعددية الأقطاب العالمية والتمتع بالحقوق ولعب الدور على قدم المساواة وتعزيز دمقرطة العلاقات الدولية بخطوات ملموسة. من أجل إبقاء عملية تعددية الأقطاب مستقرة بشكل عام والحفاظ على طابعها البناء، ينبغي على الجميع الالتزام بمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والتمسك بالقواعد الأساسية للعلاقات الدولية التي يعترف بها عالميا وتطبيق تعددية الأطراف الحقيقية. لا تعني تعددية الأقطاب المجابهة بين المعسكرات، ناهيك عن التفكك أو الفوضى. يتعين على دول العالم أن تتحرك في إطار المنظومة الدولية التي تكون الأمم المتحدة مركزا لها، وتتعاون في عملية الحوكمة العالمية.
تتطلب العولمة الاقتصادية المتسمة بالنفع للجميع والشمول تلبية الاحتياجات السائدة لكافة الدول وخاصة الدول النامية، وتكبير كعكة التنمية الاقتصادية وتوزيعها بشكل ملائم، بما يمكّن مختلف الدول والطبقات والفئات من المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتقاسم ثمارها، وإيجاد حلول مناسبة لما يترتب عليه التوزيع العالمي للموارد من الاختلالات التنموية الدولية والمحلية، بما يحقق الازدهار المشترك والرخاء المشترك. من الأهمية بمكان دعم دول العالم لشق طرق تنموية تتناسب مع ظروفها الوطنية الخاصة، وعدم فرض نمط تنموي معين، ومعارضة قاطعة للتيار المضاد للعولمة وإساءة استخدام مفهوم الأمن، ورفض الأحادية والحمائية بكافة الأشكال ودعم بحزم تحرير وتسهيل التجارة والاستثمار، والتغلب على المعضلات الهيكلية التي تعوق التنمية السليمة للاقتصاد العالمي، وصيانة استقرار وانسياب السلسلة الصناعية وسلسلة الإمداد العالمية، والحفاظ على الحيوية والقوة الدافعة للنمو الاقتصادي العالمي.
تحرص الصين على بذل جهود مشتركة مع دول العالم لدفع تطور تعددية الأقطاب العالمية والعولمة الاقتصادية نحو الاتجاه الصحيح الذي تتطلع إليه شعوب العالم، وتدعيم تطور الحوكمة العالمية نحو اتجاه أكثر عدالة وإنصافا.
يصادف هذا العام الذكرى السنوية العشرين لإنشاء منتدى التعاون بين الصين والدول العربية، وسيعقد الاجتماع الوزاري العاشر للمنتدى في الصين هذا العام. وستعقد دورة جديدة لاجتماع منتدى التعاون الصيني الأفريقي في الصين هذا الخريف، وسيجتمع القادة الصينيون والأفارقة مرة أخرى في بكين. إن مشاركة ليبيا في الاجتماعات المذكورة بكونها دولة مهمة في العالم العربي والقارة الأفريقية ستقدم مساهمة جديدة في تعزيز علاقات الصداقة والتعاون بين الصين والدول العربية والأفريقية.
تربط بين الصين وليبيا الصداقة التقليدية. وإنهما صديقان حميمان يتبادلان الدعم والتأييد وشريكان متميزان يسعيان إلى التنمية المشتركة. وتدعم الصين إيجاد حل سياسي للقضية الليبية عبر الحوارات والمفاوضات، وتحقيق المصالحة الوطنية واستتباب الأمن والاستقرار في وقت مبكر، وتسريع عملية إعادة الإعمار في ليبيا. وتستعد الصين لبذل جهود مشتركة مع ليبيا لتعميق الثقة السياسية المتبادلة بين البلدين، وتعزيز التعاون العملي والتشارك في بناء “الحزام والطريق” بجودة عالية، والعمل سويا على تحقيق التنمية المشتركة والازدهار المشترك للبلدين، ودعم السلام والأمن الإقليميين، والتكاتف لتنفيذ مبادرة التنمية العالمية ومبادرة الأمن العالمي ومبادرة الحضارة العالمية، بما يكتب فصلا جديدا في بناء مجتمع المستقبل المشترك للبشرية.