الأسيرة المحرّرة أمل طقاطقة اعتُبرت من أقدم الأسيرات الفلسطينيات..

– صباح العيد في السجن تبدأ التحضيرات للعيد (عيد الأسيرات).
– الأسيرات داخل المعتقلات الإسرائيلية يفتعلن الأجواء السارة.
– “معمول العيد” يتطلّب إجراءات كثيرة وكتب رسمية لمخاطبة إدارة المعتقلات للموافقة على عمل “معمول العيد”
– الأسيرات في العيد يتبادلن التهاني وينشدن الأناشيد الدينية ويكبِّرن التكبيرات.
– الأسيرات يخصِّصن خزانة خاصّة لملابس العيد الجديدة.
– تقدّم الأسيرات عروضا مسرحية بمناسبة العيد.

المقدمة:
سأحكي لكم سيرة أسيرة فلسطينية أو ما يفترض أنّه سيرة كلّ أسيرة، قد تثير مخرج مسرحيات فيمسرحها أو كاتب سيناريو فيحوّلها إلى مشاهد فيلم آسر من الوجع، ومن انتهاك أبسط حقوق الإنسان، مشاهد تفضح هذا العصر، الذي حوّل المرأة الفلسطينية إلى رقم في سجلات المعتقلات الإسرائيلية.
وكم كان المشهد استثنائياً! عندما ترتدي الأسيرة المحرَّرة أمل طقاطقة وشاح الجمال والطمأنينة: كأنّها عروس تُزفّ بعد قليل لفلسطين.. وجهها يتضح جمالاً؛ هنا تقف الكاميرا شبه عاجزة، عن إكمال المشهد، فيلتقفها المتلقي ليكمل التصوير، إنّها علاقة بين الحياة والخوف من الكشف، كشف وحشية المحتل الإسرائيلي.
بدت سيرتها فلما، فقد ذاكرته وأصابه الجنون، من هول هذه المشاهد التي أصيت بالعجز، واللامعقول، وفقدان الرشد.
وكأنّ لسان حال أمل طقاطقة صاحبة السيرة التي حملتها بين أحشائها تعتبرها المدماك الأوّل لمواجهة السّجان الإسرائيلي.
حين حاورناها، نبّهتنا طقاطقة إلى ما تنضح به عباراتها من ألم لتكتفي بالقول:
– أنت لا تعرف شيئا عن ماضي السجن، وتضيف: أنا الآن أسرد ما عايشته وعانيت منه، خلال هذا الحوار أسجِّل ما اقترفه السّجان الإسرائيلي في حقِّنا كبشر أوّلاً وكفلسطينيات ثانياً، الآن بعد تحريري أصبحت قادرة على السرد.

– حاورها سليم النجار – غصون غانم.

الأسيرة المحرّرة أمل طقاطقة
اعتُبِرت من أقدم الأسيرات حيث اعتقلت طقاطقة في الأوّل من كانون الأوّل/ ديسمبر 2014، بعد أنْ أطلقت قوّات جيش الاحتلال النّار عليها وأصابتها بستِّ رصاصات في الصدر والخصر ويدها وقدمِها اليسرى؛ وخلال فترة اعتقالها الأولى خضعت لعدّة عمليات جراحية في مستشفى “هداسا” الإسرائيلي، وكانت إحدى الرصاصات قد استقرت في صدرها، وأفرج الاحتلال عن أمل طقاطقة (27 عاما) من بلدة بيت فجار بيت لحم جنوب الضفّة الغربية بعد أنْ أمضت سبعَ سنوات متواصلة داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي من الاعتقال. وكان من المفترض أنْ تعيش العروس أمل طقاطقة في عامها ال(21 عام) مع زوجها في القفص الذهبي بدلاً من أنْ تعيش في قفص الاتّهام خلف قضبان سجون الاحتلال الإسرائيلي؛ فأثناء توجُّهها لشراء بعض الأغراض لإتمام زواجها الذي كان مقرّراً بعد عدّة أيام، أطلق عليها جنود الاحتلال الرصاص قرب مفترق تجمّع مستوطنات “غوش عتصيون” جنوبي بيت لحم وتمّ اعتقالها مباشرة في 1 كانون الأول/ ديسمبر 2014 وتأجّل حفل الزفاف وأصبحت العروس أمل تقبع خلف قضبان سجن “الدامون” فضلاً عن خمس رصاصات اخترقت جسدها لحظة محاولتها الهرب والنجاة من تهمة لم ترتكبها، فقد ألقى جنود الاحتلال بجانبها سكيناً تستخدم لتقطيع الخضار واتّهموها بمحاولة طعن مستوطن في المكان رغم أنّ كلّ روايات الشهود الذين كانوا في المكان تُكذِّب رواية المستوطن والجنود. وفي السجن أيضا أصبحت تعاني عذابات الإصابة بفعل تلك الرصاصات التي اخترقت جسدها، فقد سقطت أمل على الأرض ونهضت بعد أنْ أصابتها رصاصة في رجلها، حاولت الهرب والجندي من على البرج العسكري كان قد أطلق رصاصة أصابت ظهرها وأفقدتها القدرة على الحراك؛ تجمّع الجنود حولها، وأطلقوا رصاصات أخرى من مسافة الصفر، واحدة أصابت يدها، واثنتان في صدرها وأخرى في الخصر، ثمّ اعتقلوها، ثم استقرت رصاصة في جسدها لتنتهي في سجون الاحتلال.

صباح العيد في السجن وتحضيرات العيد للأسيرات (عيد الأسيرات)

الأسيرات داخل معتقلات الاحتلال يفتعلن الأجواء السارة رغم تضييقات الاحتلال عليهن حيث إنّ التحضير لـ “معمول العيد” يتطلّب إجراءات كثيرة وكتبا رسمية لمخاطبة إدارة معتقلات الاحتلال للسماح بتوفير السميد قبل أشهر من يوم العيد، وفي حال الموافقة على الطلب يتمّ شراء السميد من “الكنتين” بأسعار باهظة جدّاً وغير معقولة، وخلال فترة ما قبل العيد بعشرة أيام تقريبًا تشكِّل الأسيرات لجنة تنظيمية وكلّ أسيرة تدفع مبلغا معينا حتّى يتمّ تجميع النقود وتقسيمها على مستلزمات العيد من مواد خاصّة بصناعة “المعمول” والقهوة، فكلّ واحدة من اللجنة التي يبلغ عددها أربع أسيرات يقسِّمن المهام على الجميع وتتمحور المهام حول إعداد القهوة وتجهيزها وترتيب الطاولات وتنظيف القسم وغيرها، أما عملية تحضير “المعمول” فتحتاج يومين كاملين حيث لا غاز ولا أفران، فالجهاز المستخدم هو بلاطة كهربائية تحتاج إلى وقت طويل في الإعداد والتسخين .
أمّا في صبيحة يوم العيد في المعتقلات تبدأ “الفورة” قبل بساعة على غير العادة بحدود الخامسة صباحًا، وبعد العدد الذي تقوم به مجندات الاحتلال لتفقّد الأسيرات، تسلِّم الأسيرةَ التي وُكِّل إليها إعداد خطبة العيد نسخة عنها لإدارة المعتقل ويقوم السجانون بمقارنة الخطبة المكتوبة لديهم مع الخطبة التي يتمّ إلقاؤها ويشترط فيها بألاّ تتضمّن شيئا عن فلسطين أو النضال ضدّ الاحتلال ثمّ تتبادل الأسيرات التهاني بالعيد وينشدن الأناشيد الدينية ويكبرن التكبيرات حتّى الساعة السابعة والنصف صباحا ثمّ تعود كلّ الأسيرات إلى غرفهن وينتظرن الفورة الثانية التي تكون في حدود الساعة الثانية ظهرا وتستمرّ حتّى الرابعة عصرا وفي الفورة الثانية يتمّ اختيار أكبر غرفة في القسم، ويتمّ ترتيب المعمول والقهوة على الطاولات وتتضمّن هذه الفترة المسابقات وبعض المسرحيات التي تتدرّب عليها الأسيرات تحضيرا لهذا اليوم؛ أمّا عن ملابس العيد فالأسيرات يخصّصن خزانة خاصّة للملابس الجديدة تسمى “خزانة العام” ويكون الأهالي قد أرسلوا الملابس لبناتهن الأسيرات قبل أسبوعين وتُبقي كلّ أسيرة بعضًا من تلك الملابس في الخزانة ليتسنى للأسيرات الجديدات واللواتي لم يُسمح لهن بعد باستقبال الحاجيات من ذويهن الارتداء منها، وبذلك يلبس الجميع ثيابا جديدة رغم كلّ التقييدات، مؤكدةً أنّ هذا النوع من التكافل بين الأسيرات يخلق أجواءً من المودّة والأخوّة، ما يخفِّف عليهن وطأة الأسر، وبعد السّاعة الرابعة عصرًا من أوّل أيام العيد تغلق الغرف على ساكناتها ويعمّ الهدوء الحزين وتشتعل ذكريات الأهل والأحباب، أمّا في اليوم التالي تتجمّع كلّ الأسيرات وقت الفورة ويقمن بإعداد غداء جماعي تتخلّله أناشيد وأنشودة العيد المعهودة في السجن :
“كل عام وأنتم بخير يا أهل الضفّة الغربية.. مهما الغربة تطوِّل بكرا تهل الحرية”.