حرصت اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية التي جرى تشكيلها في عام 2021 على تنفيذ رؤى جلالة الملك بضرورة «إحداث نقلة نوعية في الحياة السياسية والبرلمانية والخروج بإطار تشريعي يؤسس لحياة حزبية فاعلة قادرة على اقناع الناخبين بطروحاتها للوصول إلى برلمات قائم على الكتل والتيارات البرامجية».
وقد جاءت كافة التشريعات السياسية التي اقترحت اللجنة الملكية إصدارها أو تعديل القائم منها متوافقة مع هذه التطلعات الملكية، وذلك من خلال اعتبار الترشح للانتخابات النيابية من خلال الأحزاب السياسية هو الأساس، وأن الحزب السياسي هو المَكنِة والآلية القانونية التي يتم من خلالها إيصال المترشحين إلى مجاس النواب.
ولغايات إنجاح عملية التحول نحو حياة حزبية فاعلة كما طلبها جلالة الملك، جاء قانون الانتخاب الحالي ليكرس مبدأ التدرجية في تأسيس مجالس نواب على أسس حزبية برامجية، وذلك من حيث تقرير عدد معين للمقاعد النيابية المخصصة للأحزاب السياسية على مستوى الدائرة الانتخابية العامة كنقطة بداية، ومن ثم زيادتها بشكل ثابت مع كل عملية انتخابية قادمة. كما سعى القانون الحالي إلى تكريس مفهوم الحزبية السياسية كأساس للترشح في الانتخابات البرلمانية، وذلك من خلال فتح المجال أمام الأحزاب السياسية لتسمية مرشحيها على القوائم الانتخابية في الدائرة العامة والدوائر المحلية.
وتبقى علاقة النائب بحزبه السياسي الذي أوصله إلى سدة البرلمان محل اعتبار من الناحيتين القانونية والسياسية. فالنائب قد جرى انتخابه من خلال عضويته في الحزب السياسي وترشحه عن قائمة حزبية، وأن المقعد النيابي الذي يشغله هو حق للحزب السياسي كشخصية اعتبارية مستقلة يجري تمثيله في مجلس النواب من خلال الشخص الطبيعي الذي تم تسميته ودعمه ماديا ومعنويا ليكون ممثلا للحزب في السلطة التشريعية.
واستنادا إلى هذه العلاقة التنظيمية بين الحزب وممثليه في مجلس النواب، فقد راعى قانون الانتخاب الحالي المصلحة المشتركة لكل من الحزب السياسي وعضو مجلس النواب، حيث جرى إعطاء الحق للنائب الحزبي بالعدول عن عضويته في الحزب السياسي وذلك من خلال تقديم استقالته من الحزب في أي وقت يشاء.
فكانت النتيجة القانونية المترتبة على هذا الإجراء بأن تسقط عضويته في مجلس النواب كونه قد فقد شرطا من شروط العضوية في المجلس النيابي، والتي هي شروط لصحة عضويته ابتداء ولضمان استمراريتها طيلة الفترة الدستورية للمجلس المنتخب.
في المقابل، فقد تتحقق مصلحة الحزب السياسي في أن يقوم بفصل أحد أعضائه الذين جرى انتخابهم كممثلين له في مجلس النواب، وذلك لأسباب مختلفة من أهمها عدم تقيد النائب ببرنامج عمل الحزب وسياساته، ومخالفته للأسس والمبادئ التي يقوم عليها الحزب السياسي.
وفي هذا السياق، فقد كان المشرع الأردني حريصا ألا يعتبر فصل الحزب لنائبه سببا لاسقاط العضوية بشكل مباشر، وإنما أشار في المادة (58/4) من قانون الانتخاب إلى حالة صدور قرار قضائي مكتسب الدرجة القطعية بمشروعية فصل النائب من حزبه. فالمادة (22) من قانون الأحزاب السياسية قد أعطت الاختصاص للمحكمة الإدارية بالنظر في جميع الطعون المتعلقة بالقرارات النهائية للحزب الصادرة للفصل في المخالفات والنزاعات بين أعضائه وقيادته التنفيذية ووفق أحكام نظامه الأساسي.
إن رقابة القضاء الإداري بدرجتيه على مشروعية قرارات الفصل التي قد يصدرها الحزب السياسي بحق أحد أعضائه من النواب المنتخبين، تشكل ضمانة حقيقية لعدم تعسف الحزب في استعمال سلطته بالفصل، وبأن قرار إنهاء علاقة النائب بحزبه السياسي، والتي سيترتب عليها اسقاط عضويته في مجلس النواب، ستخضع لرقابة المشروعية من قبل المحاكم الإدارية في الأردن.
فإن ثبت عدم صحة القرار الصادر بفصل النائب من حزبه لأسباب إجرائية أو موضوعية، فلن تتردد المحاكم الإدارية بإلغاء قرار الفصل والحكم بعودة النائب إلى حزبه السياسي.
إن الحق الذي قرره المشرع الأردني للطعن بقرارات الفصل من الحزب السياسي من شأنه أن يجعل الحزب حريصا على عدم التعسف في استعمال حقه وبأن يكون قرار الفصل وفق أحكام نظامه الداخلي، إلا اذا كان قرار الفصل عرضة للطعن القضائي بإلغائه بشكل سيتسبب بإحراج سياسي وشعبي للحزب قد لا يُحمد عقباه.