أصبح أدب الطفل في العصر الحالي ضرورة ملحة لا غنى عنها لاستحالته إلى عامل رئيس في تربية وتعليم وبناء شخصية الطفل. يَلقى أدب الطفل في الغرب اهتماما كبيرا وعناية خاصة من قبل الكُتّاب، ودور النشر، والمؤسسات الحكومية، والخاصة التي تُعنى بالطفل، إلا أنه في حالة متواضعة جدا في وطننا العربي، فأعلام العرب في أدب الطفل قلة لا تتناسب مع عدد الأطفال العرب، مع ذلك يتلقى الطفل العربي كما هائلا من الأدب الغربي المترجم عبر الفضائيات، ووسائل التواصل الاجتماعي المتعددة، وهذا ما يجعل منه فريسة سهلة للتغريب ولاستهداف هويته.
يُقسم أدب الطفل عموما إلى ثلاث مراحل عمرية: المرحلة الأولى: الطفولة المبكرة (3- 6)، وهي مرحلة الخيال المحدود المتصل بالبيئة والواقع المعاش. المرحلة الثانية: الطفولة المتوسطة (6- 12)، مرحلة انطلاق الخيال وغرس القيم. المرحلة الثالثة: الطفولة المتأخرة (12-18)، تتميز بالاهتمام بالبطولة والمثالية وزرع القيم العليا.
أما بدايات أدب الطفل عند العرب فكانت مع حكايات “ألف ليلة وليلة” التي أجريت عليها تعديلات لتناسب الأطفال. بعد ذلك ساهم أمير الشعراء أحمد شوقي في قصائد عدة خاطبت الأطفال منها: “الصياد والعصفور” والديك الهندي”، كما قدم الأديب كامل الكيلاني قصته الشهيرة “السندباد البحري”، ورائعته “من حياة الرسول”. ظهرت بعد ذلك أسماء عربية أخرى سارت على نفس الدرب وأبدعت في تقديم أدب الطفل لأغراض تربوية، ومن هذه الأسماء: المصري أحمد نجيب، السوري سليمان العيسى، العراقي، جعفر الصادق. أما في الخليج العربي، فقد أولت دولة الإمارات العربية المتحدة أدب الطفل اهتماما خاصا منذ فترة مبكرة، وذلك عبر إصدار مجلة “ماجد” التي قرأها الآباء عندما كانوا صغارا، ويقرؤها اليوم أبناءهم وأحفادهم. كما أصدر المجلس الأعلى للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت مجلة “العربي الصغير”، وفي المملكة الأردنية الهاشمية، اهتمت وزارة الثقافة بأدب الطفل فأصدرت مجلة “وسام” منذ أكثر من ثلاثين سنة. وقد اعتنت كثير من الجهات الحكومية والخاصة أيضا بأدب الطفل وقدمت عددا من الجوائز للدفع بهذا الأدب قدما. ومن الأسماء الكبيرة البارزة في أدب الطفل في الأردن: الشاعر محمد جمال عمرو، الشاعر علي البتيري، القاص يوسف الغزو، والقاص الدكتور راشد عيسى. هنالك أيضا كتاب أردنيون غير متخصّصين في أدب الطفل إلا أنهم قدموا محاولات قيّمة في هذا المجال، ومنهم الكاتب مصطفى القُرنة والذي قدم لمكتبة الطفل العربية والأردنية عدة أعمال في هذا الأدب وهي كما يأتي: ديوان شعر “انتبه عند المرور” منشورات وزارة الثقافة الأردنية، حكاية “فارو” قصة من منشورات دار الرواية العربية للنشر، وأخيرا مجموعة قصصية حملت اسم “أول ليلة ماطرة” والتي احتوت على ثلاث عشر قصة قصيرة سردت حال الأطفال في غزة، وما يتعرضون له من ظلم وبطش مستمر في ظل الاحتلال الصهيوني البغيض، وصوّرت حالة المقاومة والصمود في وجه العدو رغم فارق التسليح. “أول ليلة ماطرة” مجموعة قصصية موجهة عموما إلى مرحلة الطفولة المتأخرة (12-18)، وهذا ما يجعل منها مجموعة قصصية للفتيان. أما إذا أردنا التحديد أكثر فهي موجهة بشكل رئيسي إلى الفئة العمرية (13-15)، وتتميز هذه الفئة بتطور أحساسها بالصواب والخطأ، ونمو شعور عميق لديها بالعدالة والظلم التي تتعرض له، أو الذي يحدث من حولها، ومن المعلوم أنه لا أفظع من الظلم الذي يقع على الأطفال والنساء والرجال في فلسطين عموما وفي غزة خصوصا. وهكذا تكون ثيمة القصص الرئيسة متناغمة مع التطور المعرفي للفئة العمرية المستهدفة.
امتازت المجموعة القصصية بغلاف معبر ومُلخّص للرسالة التي حملتها كل قصص المجموعة. كان الغلاف عبارة عن صورة طفل فلسطيني يتصدّى لدبابة صهيونية بحجر! وهذه رسالة كل القصص التي أوردها القرنة والتي مفادها: أنّ الكف، في غزة، يستطيع أن يواجه المخرز. إنّ غزة تتحدى العدو وتقاوم وتصمد في وجه الطغيان رغم فارق العديد والعدة والعتاد. ويبدو أنه من الأفضل لو كان الغلاف رسمة فنية بدلا من الصورة الفوتوغرافية، فالرسوم بألوانها الزاهية وخطوطها الأنيقة تخاطب الأطفال أكثر مما تخاطبهم الصور.
كما وقد عزّز الكاتب مجموعته القصصية برسوم عبرت عن مشاهد من أحداث القصص وجعلت المجموعة أكثر إمتاعا للطفل وأقرب إليه. مع ذلك فقد كان بالإمكان جعل تلك الرسوم أكثر احترافية حتى تعبر بشكل أفضل عن جمال النص، ولتنسجم مع الفئة العمرية المخاطبة، فالرسوم المرفقة تخاطب فئة عمرية أصغر من الفئة التي استهدفتها النصوص.
امتازت لغة المجموعة القصصية بالسهولة والسلاسة والانسجام مع معجم الفئة العمرية المستهدفة، وخلت تماما من الغرابة. كانت جُمل المجموعة القصصية المعنيّة بالوصف والسرد طويلة نوعا ما، مع ذلك فقد لعبت الفواصل فيها دور نقاط النهاية، وهذا ما جعل من الجملة الطويلة مجموعة من جمل قصيرة سهلة على الفهم والإدراك. امتازت كل قصص المجموعة باشتمالها على الوصف، والسرد، والحوار مما أضفى على القصص جوا ماتعا وشيقا. فالوصف قدم لنا الجزء الخلفي من الصورة، بينما كان السرد قسمها الأمامي الذي عرض الشخصيات والأحداث، أما الحوار فقد أظهر مكنونات وبواطن النفوس.
وقد كان حجم ونوع الخط المستخدم في طباعة النصوص مناسبان للفئة العمرية المستهدفة، فكان الخط مقروءً بسهولة وواضحا جدا .
كانت معظم الشخصيات الرئيسة في المجموعة القصصىة لأطفال من غزة، وهذا يحتسب للقاص، لأن الطفل القارئ سيتماها مع شخصيات الأطفال التي لا تختلف عنه كثيرا، فتشاطره الطفولة، والدراسة، والاهتمامات، والآمال، والآلام.
في الوضع الطبيعي، يتجنب الكاتب للفئة (13-15)، التركيز على ثيمة الموت، ويكون التركيز على ثيمات تهم الأطفال المنتمين إلى هذه الفئة العمرية: احتياجاتهم، رغباتهم، آمالهم، أحلامهم، مخاوفهم، آلآمهم. ولإنّ الوضع في فلسطين عموما، وفي غزة خصوصا وضع غرائبي أحيانا، عجائبي أحيانا أخرى بسبب الاحتلال الهمجي، فقد كان الموت الناتج عن القتل غير المبرر نهاية معظم قصص هذه المجموعة. يقول القرنة في الإهداء:” إلى القابضين على جمر الحياة، إلى الذين يعيشون الموت كل يوم مئة مرة…إلى كل هؤلاء أهدي هذا الكتاب”، من هذا الإهداء يشير القاص إلى فحوى مجموعته القصصية، فيذْكُر أنها للمتمسكين بالحياة رغم انتشار الموت في غزة كانتشار النار في الهشيم. وهكذا تكون شخصيات القرنة الرئيسة عبارة عن أطفال غزيين كانت لهم رغبات وآمال وأحلام انتهت بآلآم جسام وبقتل عشوائي غير مبرر ارتكبه الاحتلال المقيت.
القصة الأولى حملت عنوان “رحلة”، وقد روت حكاية فتاة تُدعى “غزة” تأمل بالقيام برحلة إلى الشاطئ، ولكن تُؤجل الرحلة حتى إشعار آخر بسبب سوء الأحوال السياسية، والقصف الصهيوني المتواصل. في القصة الثانية والتي تحمل اسم”شهادة تقدير”، يتجه الطالب حمزة ابن الصف التاسع إلى “معبر المنطار” للتظاهر ضد المحتل، فيتلقّى رصاصة في الرأس من قناص صهيوني، فينال الشهادة بدلا من الشهادة المدرسية التي هي رغبة أي تلميذ في عمره. ولأن المصائب توزع بالمجان في غزة، فها هو الشاب الصياد محمد يصاب بجروح قاتلة بعد أن خرج ليلبي رغبة شقيقه الصغير بشراء دفتر للرسم في قصة حملت اسم “غزة والبحر”. أما قصة “عمر والمستوطنون” فكررت ذات المعنى السابق، فعندما ذهب عمرو ليشترى لوالدته بعض الحاجيات قتل برصاص أحد المستوطنين. وفي قصة” الجنود يسرقون سيارة” قُتل محمد على يد جنود العدو لأنه عندما رآهم يسرقون سيارته، سألهم:”ماذا تفعلون؟”(25). أما في قصة “أول ليلة ماطرة” فيُقتل علي برصاصة طائشة من رصاصات العدو. لا يتوقف القتل على البشر، بل يمتد إلى الشجر، ففي قصة “شجرة النخيل العظيمة” يحرق العدو قمح غزة ونخيلها. أما في قصة “العيد”، وعندما ذهب خالد لإصلاح دراجته التي يحب أن يطوف بها أرجاء غزة، تم قصفه مع أبي وليد مُصلّح الدراجات ليستحيل حبه للطواف إلى سكون دائم. وهنا يؤكد القرنة أن الموت في غزة حاضر في كل مكان، وفي كل زمان، وبسبب وبدون سبب، وبالرغم من ذلك فالفلسطيني صامد يقاوم! في قصة “سِدر العوّامة” يُقتل سعد على يد جنود الكيان عندما قرر أن إطعام غنمته، وإحضار سدر العوامة الذي يُطعم منه أسرته، فإرادة إحياء الآخرين تسببت له بالموت. في قصة “عيد الأضحى”، يعجز رب أحد الأسر عن شراء أضحية العيد، فيقرر شراء رطل من اللحم لإدخال الفرح على أسرته، فيُقتل برصاص العدو، ليصبح ضحية العيد وأضحيته، فيدخل الترح لا الفرح إلى أسرته يوم العيد! أما في قصة “حبة قطايف”، فيخرج وليد من البيت عند سماع صوت انفجار، ليكتشف بأن سيارة قد تعرضت بمن فيها للقصف، وبينما هو مصدوم يشاهد ما حدث تجمهر الناس حول السيارة، صاروخ آخر صُوب نحوهم فقتلهم جميعا. وبعد البشر والشجر يطال القتل العشوائي الحجر، ففي قصة “لوحة القبر” تتعرّض قبور الغزيين وشواهدها لإطلاق نار كثيف وتخريب كبير، وفي هذا إشارة إلى حقد العدو الذي يستهدف كل شيء حتى الجمادات، كما يحاول المحتل قتل الميت مرة أخرى عله يتألم من جديد! رغم كل هذا الظلم وهذه الظلمات وهذا القتل العشوائي لا يتوقف الفلسطيني عن المطالبة بحقوقه الشرعية، ففي قصة “الفتى البطل” وبعد أن قتل جنود الاحتلال التلميذ عماد لا لسبب كبير بل لأنه قذف الحجارة في إحدى المظاهرات “اجتمع أبناء الصف في العزاء، وعقدوا العزم على مواصلة الكفاح ضد العدو الصهيوني، وأن يخرجوا في أول مظاهرة قادمة”(13).
صوّرت قصص القرنة القتل العشوائي الذي يمارسه العدو في غزة بكل أشكاله ، فتعددت الأسباب والقتل واحد: قتل حمزة وعماد لأنها خرجا في مظاهرة، وقتل محمد وهو يشتري دفتر رسم، وقتل عمر وهو يشتري حاجيات للبيت، وقتل محمد لأنه وجه سؤالا إلى جنود العدو، وقتل علي برصاصة طائشة، وأضرمت النيران في نخيل غزة وقمحها، وأطلقت النيران على قبور الغزيين، وقتل خالد ومصلّح الدراجات هو يصلح دراجته، وقتل سعد عندما ذهب لإطعام غنمته وأسرته، وقتل أبو نضال وهو يشتري رطلا من اللحم، وقتل وليد وجيرانه وهم يشاهدون القتلى!
هكذا صورت المجموعة القصصية”أول ليلة ماطرة” الخاصة بالأطفال مقاومة الشعب العربي الفلسطيني وتحديه للمحتل الصهيوني المجرم وصموده رغم كل شيء، ووثقت الفظاعات والقتل العشوائي الذي يرتكبه العدو في حق كل ما هو فلسطيني وهذا بالطبع يجعل هذه المجموعة القصصية ضمن أدب المقاومة الموجه للأطفال.
صدرت هذه المجموعة القصصية عام (2007) عن دار الأخوة للنشر. ويذكر أن مصطفى القرنة كاتب وشاعر، وشغل منصب رئيس اتحاد الكتاب الأردنيين، وهو عضو في رابطة الكتاب الأردنيين، يحمل بكلوريوس في آداب اللغة العربية، اشتغل في وزارة الثقافة الأردنية، وعمل في التدريس. وله مجموعة من الروايات والمسرحيات ودواوين الشعر وهي كما يأتي: دواوين الشعر: أنت قصيدتي، أنا والشمس وبكين، قمري ربما لم يأت بعد، ليلة اكتمال الخوف، السلاسل المحطمة. الروايات: خيمة مشرعة للريح، الموت بطعم مالح، شمتو، الشيطان يخرج من إزمير، المدرج الروماني، بنساميا: جني مدينة بابل، دمع على حدود طنجة، فئران لاغوس، عائلة من الروهينغا، بيرغامو، هاربون من كورونا، فوضى في حديقة الشيطان، كأس العالم. المسرحيات: البائع الصغير، وأشرقت شمس الدعوة. القصص: دولاب الجان، ذئب. أدب الطفل: انتبه عند المرور، فارو، أول ليلة ماطرة.