“نون للكتاب” تتأمل رواية “الماضي يموت غدا” لهارون الصبيحي

 

 

عقدت مبادرة نون للكتاب مساء السبت الموافق: ٢٩ يونيو/حزيران ٢٠٢٤، في مكتبة عبد الحميد شومان في جبل عمان جلستها التاسعة عشر وناقشت فيها رواية “الماضي يموت غدا” للكاتب هارون الصبيحي.
بدأت الجلسة بمقدمة رحب فيها الناقد أسيد الحوتري بالضيوف وبالحضور الكريم.
انتقل الحديث بعد ذلك إلى السيد سعيد حمد الله هديب حيث قام بتقديم نبذة عن سيرة الكاتب هارون الصبيحي، وملخصا عن روايته، ونبذة عن سيرة الناقدة وداد أبو شنب التي قدمت بدورها قراءة نقدية موجزة ومكثفة للرواية أوضحت فيها أن الرواية اجتماعية اقتصادية سيكولوجية قُدمت بلغة سلسة ومباشرة وأنها عرضت الواقع كما هو في معظم الدول العربية. وركزت القراءة النقدية على النصوص الموازية في الرواية والتي منها عتبات النص: العنوان والإهداء، التناص الموجود في الرواية من الأغاني والشعر. ومن حيث التجنيس الأدبي أكدت أبو شنب بأن الرواية تنتمي إلى المدرسة الواقعية، والواقعية فيها نقدية واشتراكية. الواقعية النقدية طرحت قضية وضع الطبقة الوسطى في المجتمع، والواقعية الاشتراكية سلطت الضوء على صراع طبقتي العمال وأصحاب رؤوس الأموال. انتقلت الناقدة بعد ذلك إلى الحديث عن تيار الوعي والذي اشتمل على، أولا: (المونولوج)، حديث النفس. ثانيا: المناجاة وهي حديث من طرف واحد يستدعي وجود مستمع واحد على الأقل. ثالثا: الاستذكار والاسترجاع. رابعا: التداعي الحر، وهو الحديث عن أشياء تتبادر إلى الذهن سواء كان بينها رابط أم لم يكن.

ناقش الحضور، بعد ذلك، الرواية عبر محورين رئيسين. دار المحور الأول حول بنية النص وخصوصا حول الحوار الذي تسيّد النص وشكل ثلاث أرباعه تقريبا، فجعله قريبا من “المسرواية”، الرواية المسرحية كما طرحها توفيق الحكيم. أكد معظم الحضور أن سيطرة الحوار على النص لم تؤثر سلبا عليه، وذلك لأن الحوار رسم الشخصيات بعيدا عن الوصف التقليدي وأظهر مكنونها وخفايا النفوس. كسر الحوار أيضا رتابة السرد، وعن طريقه قامت الشخصيات بالاسترجاع والاستذكار. كما ساهم الحوار في تطوير حبكة الرواية وكان بديلا عن السرد في كثير من الأحداث المفصلية. ضبط الحوار الجو العام للنص والذي كان ملبدا بالألم والقهر. أما لغة الحوار فكانت بين العامية والفصحى، وهي ما أطلق عليها توفيق الحكيم اسم: اللغة الثالثة. وُفّق الصبيحي في اختيار هذه اللغة لأنها أقرب ما تكون إلى الواقع، ولأنها مفهومة في كل الأقطار العربية لقربها من الفصحى. اختلفت آراء الحضور بحسب ذائقتهم الأدبية فمنهم من فضل اللغة الفصحى في الحوار، ومنهم من فضل العامية، وآخرون أعجبتهم اللغة الثالثة. كما رأى البعض أن الحوار كان من الأفضل لو كان أكثر تكثيفا وأقل مباشرة.

في محور الثاني للنقاش، تحدث الحضور عن القضايا الاجتماعية التي تطرقت لها الرواية وكانت كما يأتي: الفقر، تسرب الطلاب من المدارس، عمالة الأطفال، البطالة والبطالة المقنعة، النفاق والخداع، الاعتقال والتعذيب، أولاد العلاقات غير الشرعية، الرشوة، الفساد، انخفاض سقف الحريات، العنف الأسري والمجتمعي، عقوق الأولاد، ازدراء المطلقات، التمييز الطبقي، الانتحار، المخدرات. كل هذه الآفات تراكمت، ومهدت الطريق، وشكلت وقود انطلاق ثورة مرتقبة على الظلم والاستبداد. أشاد الحضور بجرأة الكاتب في التطرق لهذه القضايا الاجتماعية الشائكة مؤكدين أن هذا هو دور المثقف أينما وجد.

في الختام، مُنحت درع تذكارية للروائي هارون الصبيحي، وشهادة شكر وتقدير للناقدة وداد أبو شنب، وبعد التقاط الصورة الجماعية، تمّ التوجه بالشكر الجزيل والجميل إلى الحضور الكريم، وإلى مكتبة عبد الحميد شومان والقائمين عليها على كل ما يقدمونه من جهود متميزة في خدمة المشهد الثقافي الوطني والعربي.