كنّا نمشي في اليوم خمسة كيلو وعشرة كيلو.. كنّا صغاراً أيضاً.. الشوارع مُلكنا.. كان عرقنا يتصبب من كل مساماتنا.. كان مصروفنا (قرش وقرطة وشلن).. كنّا نقطع مسافات شاسعة للوصول إلى المدرسة.. كنّا نربط الكتب بخيط ومغّيطة و الشنطة لا تدوم عاماً دراسياً ومستحيل نشتري شنطتين في عام واحد.. كان المقصف لعبتنا الوحيدة وبه أغراض لا تتعدّى العشرة أغراض.. لا دكاكين حول المدرسة وأصلاً ممنوع تطلع في (الفورصة).. كان (أبوي) ممنوع تصله أي مشكلة.. ويا ويلنا إذا وصلت.. كنّا نحلّ كل قصصنا بعيداً عن كبارنا إلاّ ما يفلت منها غصبًا عنّا.. كان المريول الأزرق زينة الشوارع؛ والمريول الأخضر العطر الذي لا يغادر الأنوف..!
كنّا نعيش القِلّة والحرمان؛ ولكننا كنّا نعيش..!
للعجب أن ابني غاندي يذهب للسوق بتكسي رايح جاي.. السوق لا يبعد إلا 400 متر.. إنهم يعرفون الشلن ولكنهم لا يعترفون به؛ أما القرش فانسَ الموضوع يكاد شكله يندثر وغير وارد في الحسبان.. أمّا القرطة فاعتقد أنها ستصبح مصدر ضحك لا ينتهي إذا شرحتها لأبنائي.. خلّيني ساكت..!
كل يوم مشكلة.. الأبناء بلّدوا.. الكبار كلّ شغلهم الآن (قُضاة للعيال)..!
أنا لا أجلد الجيل الطالع؛ هذه معطيات زمنهم؛ هذا تضخمهم الاقتصادي.. يتلبّسون الآن ما شلحناه في أحلامنا.. إنهم يمشون في دروب مجهّزة تماماً لغربة السفر من الوطن إلى الوطن ولا يعرفون العالم إلاّ من خلال الموبايل..!
يرحم أيام القرش و الشلن و القرطة..!
كامل النصيرات
المقال المنشور اليوم في جريدة الدستور
للتواصل على الواتس (0799137048)