جميل النمري
يجب ان نستسلم لحقيقة نزول عدة قوائم حزبية من التيار الواحد في الانتخابات طالما ان النظام الانتخابي لم يسهل إلإئتلافات الحزبية.
وجود عدة قوائم في مساحة الوسط ويمين الوسط لا يقلق كثيرا لأن الناخب يأتي من اجل المرشح وليس من اجل المشروع السياسي والفكرة.
الخسارة في الوسط هي فقط اصوات القوائم التي لن تتجاوز العتبة، أما الأحزاب الرئيسية التي سوف تتجاوز العتبة فإن حشرها في قائمة واحدة سيؤدي بالعكس لتقليل اصواتها لأن قائمة واحدة يعني تقليل عدد المرشحين الذين سيشتغلون في الحملة الانتخابية ويشغلون انصارهم ويجلبون الأصوات واكثر من ذلك ستعاني القائمة استعداء المرشحين الذين تم استبعادهم، واذا كان كل حزب يعجز وحده عن ارضاء المتنافسين على المقاعد الأولى في قائمته فما بالك بالذهاب لقائمة موحدة.
التحليل اعلاه لا ينطبق على اليسارحيث القاعدة الانتخابية الخاصة بكل حزب وقائمته أضيق كثيرا من القاعدة العامة لهذا التياراذا افترضنا ان هذا التياريمتد من الوسط الى اقصى اليسار ويضم احزابا ديمقراطية ومدتية ويسارية وقومية. فالجمهور الواسع الذي يتعرف على نفسه بقيم العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية والحرية وسلطة القانون والمدنية وأيضا الوطنية والعروبة قد لا يتعرف على نفسه بأي من هذه الأحزاب منفردة. فالأحزاب القديمة تقلص جمهورها كثيرا وكوادرها السابقة إنكفأت بعيدا.
منذ زمن نشطت فكرة ايجاد حزب واسع يتجاوز التشكيلات القديمة ويمثل القيم والمبادىء التي ينحاز لها ويصوت لها ما لا يقل عن 15% من المجتمع.وجاء تأسيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي عام 2016 تعبيرا عن هذا التوجه وتمكن من استقطاب مجموعات آخرها تيار التنمية والتحديث الذي تخلى عن تشكيل حزب مستقل بينما ذهب رموز من التيار المدني لتأسس الحزب المدني الديمقراطي على وعد اللقاء في الانتخابات ثم الاندماج. وبقيت الاحزاب القومية واليسارية على حالها حتى مع مرحلة التحديث السياسي، لكنها انفتحت على تشكيل قلئمة إئتلافية تضم الجميع للإنتخابات.
من اسابيع تجري اجتماعات ومفاوضات لتشكيل هذه القائمة الموحدة. وقد رأيت حماسا واقبالا من كل الاطراف وتسابق الجميع على التنظير لوحدة هذه المساحة من يسار الوسط الى اقصى اليسار في تحالف وقائمة واحدة. ومع تصور ان هذا التحالف سيكون له قاعدة تؤهله للحصول على كتلة نيابية معقولة تجعل المجلس النيابي افضل سياسيا وأكثر تمثيلا لجميع الأطياف.
ما حصل ان الجهود المضنية لم تصل الى نتيجة ليس لغياب الارادة والرغبة بل بسبب قانون الانتخاب الذي حشر الأحزاب في اضيق مطرح اذ على كل حزب ان يتازل عن مرشحين رئيسيين عنده او حتى لا يكون له اي مرشح في اول خمسة او ستة مقاعد. والقائمة الموحدة تفرض قبول أحزاب بمواقع متأخرة بلا اي فرصة فمن يكون هذا الحزب الذي يضحي ولماذا هو وليس غيره ؟! وبالعكس بالنسبة لترتيب اول المقاعد وفي ظل اشتراطات المرأة والشباب !! ليست المشكلة في احزاب التيار الديمقراطي واليساري. واكثر الاحزاب تقدما في الارض ستعجز عن صيغة ترضي الجميع والحل اساسا هو في صيغة قانونية تمكن من الإئتلاف وحصول كل طرف عل حصته العادلة من المقاعد وهذا موجود في بلدان اخرى وطرحته في حينه بالحاح دون جدوى..
ثم انه لو كانت القوائم مفتوحة في الوطنية على غرار المحلية أي ان الناخب هو الذي يقرر لكان انجاز لكان التحالف قد انجز في ساعة لكن القانون يحشر الائتلاف بعدد قليل من المرشحين وبترتيب مسبق في قائمة واحدة ويكاد الوضع يشبه العمل على حشر ١٢ قطعة في وعاء يتسع لستة فقط.
سأفكر بصوت عال واقول لماذا يجب ان نقص القطع او نرمي بعضها ليتسع لها اناء واحد؟ ليكن اكثر من اناء! اليس افضل ان يوزع التيار نفسه على قائمتين؟ وهذا يمكن كل حزب من حشد قاعدة اوسع. ولا ننسى ان جبهة العمل الاسلامي في تكتيكها الانتخابي في الدوائر كانت تنزل بقائمتين لكسب مزيد من المقاعد.
على كل حال التجريب هو السائد في هذا المحطة من عمر التحديث السياسي (وليس الهندسة !). وها نحن جربنا توحيد التيار كله في قائمة واحدة ولم ننجح، فلم لا يكون في قائمتين وهو ما تم فعلا.