مؤخرًا، نُشر في باكو بيان عالمي يتسم بأهمية بالغة لرئيس الإدارة الدينية لمسلمي القفقاس ، سماحة الأستاذ الدكتور شيخ الإسلام الله شكر باشازاده، والذي كان له وقعٌ كبير وردود أفعال واسعة ليس في منطقة القفقاس وحدها والتي تضم دولًا وشعوبًا شقيقة عدة منها الشركسية والشيشانية والأبخازية، بل وفي العالم الإسلامي أجمع وأوروبا أيضًا، إذ أن بيان هذا الشيخ الجليل قد تمحوَرَ حول ضرورة أن يَعي العالم أوضاع أذربيجان خلال الثلاثين عامًا الماضية التي شهدت عدوانًا فاستعمارًا أرمينيًا لعشرين بالمئة من أرضي الدولة الأذرية. وعلى الرغم من البشاعات التي ارتكبها الاستعمار الأرميني بحق الشعب الأذري، إلا أن الدولة الأذربيجانية واصلت دعوتها على مختلف المستويات ضمنها الصرح الديني، إلى توظيف الروافع والروافد المأمونة لتحقيق الحل السلمي والعادل والشامل تفعيلًا لقرارات مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة بخصوص الاستعمار الأرميني.
كشف البيان عن المساعي الكبيرة والحميدة التي تم توظيفها من جانب قادة الإدارات الروحية على مستوى العالم، لحل الصراع الأرميني الأذربيجاني وفي (قره باغ) أيضًا، إذ بُذلت الجهود والمبادرات في مونتير؛ و روستوف؛ وموسكو؛ وتبليسي؛ ويرفان وباكو. كما عُقدت لقاءات تحت رعاية مجلس الكنائس العالمي، والكنيسة الأرثوذكسية الجورجية، والفاتيكان، وعلى وجه الخصوص أيضًا الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وهَدفت جميعها للاتفاق على وقف انزلاق الصراع إلى المجالين الديني والإنساني. لكن، وبالرغم من كل ذلك، وللأسف، لم تلقَ هذه الفعاليات السلمية والشفافة والهادفة أي تأييد من جانب (الكنيسة الرسولية الأرمينية)، التي لم تَطرح للنقاش أفكارًا سلمية، ولم تدعُ إلى أفكار السلام والوفاق التي كان من شأنها لو تم ذلك، الانتقال إلى إنقاذ الشعب ونشر أجواء الحياة السلمية وتطبيع التفاهم المتبادل والتعاون. لكن، وعلى العكس من ذلك، شَرَعَت يرفان بتبرير أعمالها الإجرامية على خلفية رفضها تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي وغيرها من قرارات المنظمات الدولية ذات الصِلة، والتي طالبت بجلاء قوات أرمينيا عن الأراضي الأذربيجانية المحتلة.
كمواطنة وإنسانة أنتمي للكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وأصلي دومًا في كنيستها وراء كهنتها وأُفَاخرُ بها، إذ نشأتُ في أركانها، ونِلتُ العُمّاد المُقدّس على يد كهنتها الذين أيضًا عَقدوا زواجي فيها بمباركة السيد المسيح له المجد، وإذ قرأت بيان شيخ الإسلام باشازاده الجليل بكل تمَعّن، واستفدت منه كثيرًا، فقد اكتشفت الجهود العظيمة لفضيلته وهو الشخصية الروحية الجليلة التي تعمل لأجل الانتصار للسلام في منطقة القفقاس التي ينتمي إليها أحفادي بصِلةِ الدمِ، فتوقفتُ لبرهةٍ أُفكّرُ بعمق في معاني كلمات سماحته الواردة في بيانه الذي يُعربُ فيه عن أسفه الشديد للموقف الأرميني العسكرتاري التسلطي والمتعنّت؛ الذي أرى بأنه لا ينتمي أبدًا لتعاليم السيد المسيح ولا لأفكار المسيحية والكتاب المقدس، إذْ إنِّ قيام كاثوليكوس الأرمن جارجين الثاني، بـِ”زيارة!” غير شرعية إلى مدينة خانكيندي عاصمة منطقة (قراباغ) الأذربيجانية من دون إذن سيادي من الجهات المختصة في جمهورية أذربيجان، هو عمل يُعتبر في القانون الدولي والشَرعة الإنسانية عدوانًا سافرًا ومباشرًا على أرض دولة أذربيجان الشقيقة، ولا يأخذ بالاعتبار ضرورات الجِيرة الجغرافية ومتطلباتها. وبرغم أن الكاثوليكوس رجل دين كبير الموقع ورفيع الشأن، أَلَا إِنَّه رفَعَ خلال رحلته هذه شعارات انتقامية ضد أذربيجان، وهو أمر مخالف تمامًا لسيرة السيد المسيح وبُشرى الخلاص، كما أن هذه الشعارات تقف موقف الضد من دعوات المسيحية للسلام والوئام. ولهذا، أتفهّم تمامًا أسباب رفض شيخ الإسلام لِما نشره الكاثوليكوس من فبركات، ادّعى فيها بأن عَمائر المسيحيين الأذربيجانيين تتعرض في أذربيجان السمحة والغنية بتعددية أديانها وثقافاتها، إلى أخطار مُحدقة بها. يتضح للجميع بأن الكاثوليكوس تعمّد التغاضى تمامًا عن حقيقة أن مسجدًا واحدًا أو أثرًا إسلاميًا واحدًا لم ينج في الواقع من أعمال التدنيس والاستهداف الحربي الأرميني في المناطق الأذربيجانية المحرّرة أخيرًا، في العام الماضي. والبقية تأتي.
*إعلامية وكاتبة روسية مؤسِسة لجريدة (ملحق الرؤية الروسية) في الأُردن.