حبيب فوعاني | لماذا لا تُسكت #موسكو أصوات المتصهينين؟ #روسيا

موسكو | لم يفضح العدوان على قطاع غزة وسائل الإعلام الغربية فقط، وإنّما أيضاً الأصوات الإسرائيلية في الإعلام الروسي. ومن بين هذه الأصوات الصحافي الروسي الشهير، فلاديمير سولوفيوف، دائم المجاهرة بيهوديته، والذي أعلن، في برنامجه «أمسية مع فلاديمير سولوفيوف»، أنه كان يريد الذهاب إلى إسرائيل للقتال من أجلها، لو لم يقل له السفير الإسرائيلي لدى روسيا إنه بلغ من العمر عتياً. وعلى قناة «سولوفيوف لايف» (يوتيوب)، التي يديرها الصحافي المذكور نفسه، بلغت الجرأة برئيس «المؤتمر اليهودي – الروسي» السابق، المستشرق يفغيني ساتانوفسكي، في حديثه إلى الصحافي الإسرائيلي، ألكسندر فالدمان، في الـ17 من تشرين الأول الماضي، أن هاجم بعنف نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، وكذلك مديرة دائرة الإعلام والصحافة في الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا. وممَّا قاله حرفيّاً: «من المفهوم أن السكّير بوغدانوف، الذي كان أيضاً يُفرط في تناول الخمر عندما كان سفيراً (لروسيا) في القاهرة، لا يريد سوءاً لإسرائيل. بيد أنه بلغ من العمر 71 عاماً، وهو بحاجة إلى التفكير في مستقبله، لكن إسرائيل لا تدفع نقوداً ولا تمنح مظلّات ذهبية، في حين أن الأموال تجول في العالم الإسلامي، وهي أموال ضخمة». وأضاف: «ها هي ماشا (صيغة تصغير لاسم ماريا) زاخاروفا، التي هي من حيث المبدأ، لا تحبّ اليهود كثيراً، ولا تستطيع أن تطيق إسرائيل، لا تبذل جهداً لإخفاء ذلك. إنها أيضاً تفرط في تناول الكحول، وهي «ساقطة». ومع ذلك، هي المتحدثة باسم وزارة الخارجية». وبعد أيام من ذلك، ادّعى سولوفيوف أنه طرد ساتانوفسكي من قناته، وأوقف تعاونه معه، فيما افتعل مشادة كلامية مع ضيفه الدائم الآخر في برنامج «أمسية مع فلاديمير سولوفيوف»، الرئيس السابق لمكتب الاتصال الإسرائيلي الاستخباري السرّي «ناتيف»، ياكوف كيدمي، عندما برّر الأخير قتل الأطفال في غزة.غير أن الناشطة الحقوقية الروسية الشهيرة، يكاترينا غوردون، التي تؤكد أن «كثيرين في روسيا يخشون الحديث عن مشكلة إسرائيل وتسمية الأشياء بمسمّياتها، لأنهم يواجهون على الفور محاولة اتهامهم بمعاداة السامية»، تقدَّمت بدعوى قضائية ضدّ كيدمي، الذي لا يزال يحتفظ بجنسيته الروسية. وفي حين أن الروس والمهتمّين بالشأن الروسي توقّعوا إنزال أشدّ العقاب بساتانوفسكي أيضاً على إهانته اثنين من ممثّلي السلطة الرسميين، إلا أن نائب الدوما السابق والباحث السياسي البارز، سيرغي ماركوف، سارع إلى القول آنذاك (22 أكتوبر): «كل شيء سيكون على ما يرام لدى ساتانوفسكي، ولا سيما أنكم ستشاهدون، بعد بضعة أشهر، المبشّر الماجن بنهاية العالم في مجموعة فلاديمير سولوفيوف». كما أن زاخاروفا أبرأت ذمّة سولوفيوف الذي عاد إلى عمله وكأنّ شيئاً لم يكن، فيما يدلي ساتانوفسكي بتصريحاته هنا وهناك، ويقيِّم الناس بمن فيهم الرئيس الروسي السابق، ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي، دميتري ميدفيديف، الذي وصفه بأنه «ضعيف وصغير». الصحافيون المتصهينون تحوّلوا إلى بوتينيين أشدّاء يخيفون بالكرملين زملاءهم

ومن جهتها، سلّطت الروائية والكاتبة الروسية، أنستاسيا ميرونوفا، في مقال لها (17 أكتوبر)، الضوء على تغطية الإعلام الروسي الحكومي للعدوان على غزة، قائلةً: «لو أنك شغّلت أيّاً من قنوات “شركة عموم روسيا الحكومية للبث التلفزيوني والإذاعي” (تضمّ قناتي “روسيا 24″ و”روسيا 1” وعشرات القنوات الإذاعية والتلفزيونية الأخرى)، فسيتملّكك شعور بأنك تشاهد التلفزيون الإسرائيلي». وأضافت: «يَظهر على شاشة قناة “روسيا 24” شخص اسمه (سيرغي) باشكوف (مدير مكتب الشركة المذكورة في الشرق الأوسط)، الذي ينشر الدعاية الإسرائيلية العسكرية، ولكن بنبرة المذيعين الكوريين الشماليين». أمّا عن سولوفيوف، فكتبت أن «هذا الرجل منكبّ على الدعاية المؤيّدة لإسرائيل في وقت الذروة على القناة الأكثر شعبية (روسيا 1). وهو، لو تدرون، كان سيذهب إلى القتال من أجل إسرائيل، لكنّهم لم يأخذوه». كذلك، تطرّقت ميرونوفا إلى موفد «شركة عموم روسيا الحكومية للبث التلفزيوني والإذاعي»، يفغيني بوددوبني، إلى لبنان لتغطية الأحداث من هناك، فذكرت أنه «في الأيام الأولى، أغرق أيضاً في الحديث عن “الإرهابيين المتوحّشين”، ثم، على ما يبدو، ثاب إلى رشده، وأصبح يتحدّث، على الأقلّ، عن قصف لبنان، ويستضيف خبراء لبنانيين». وتجدر الإشارة إلى أن باشكوف زار منطقة «غلاف غزة» (الذي تعدّه روسيا أرضاً فلسطينية محتلّة) على متن مدرّعة عسكرية إسرائيلية، حيث وجد أنه «بعد مأساة السابع من أكتوبر، والمذبحة التي ارتكبها الإرهابيون في البلدات والمدن المتاخمة لغزة… فإن منطقة المعارك الضارية مقفلة، والدوريات المسلّحة فقط تسير عند الثغرات في جدار الأمن الحدودي»، كما ورد في الريبورتاج الذي أعدّه، واصفاً فيه، كعادته، مقاومي حركة «حماس»، بازدراء، بأنهم «إسلامويون».

وإلى القنوات التلفزيونية الفدرالية، ثمة ثلاث وسائل إعلام «ليبرالية» روسية، دخلت طيّ النسيان بعد وقت قصير من بدء الحرب في أوكرانيا. وأولاها، إذاعة «صدى موسكو»، التي توقّفت عن البثّ بعد أسبوع من بدء العملية العسكرية، وتحوّل صحافيوها إلى موقع «يوتيوب» لبثّ برامجهم، إذ لا يتعدّى عدد مشاهديهم الآن 700 ألف، فيما كانت وكالة أنباء «ريا نوفوستي» قد قدّرت، في الثاني من آذار 2020، عدد مستمعي الإذاعة المحتملين بنحو 46 مليوناً. أيضاً، لاقت المصير نفسه صحيفة «نوفايا غازيتا» الليبرالية المغالية في تطرّفها، والتي أصدرت إحدى محاكم موسكو، في الخامس من أيلول 2022، حكماً بإلغاء رخصة نسختها الورقية، علماً أن هذه الصحيفة اشتهرت بمعارضتها العمياء للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وتغطيتها العدائية للأحداث السياسية الروسية. ولم تكن تغطيتها للشؤون العربية أفضل حالاً؛ ولعلّ رئيس تحريرها، دميتري موراتوف، حاز لهذا السبب، عام 2021، جائزة «نوبل» للسلام، فضلاً عن أنه غربي الهوى ويقف إلى جانب نظام كييف. وإضافة إلى «نوفايا غازيتا»، تبرز قناة «دوجد» التلفزيونية الاستفزازية، التي ظهرت عام 2010، ولكن أوقف بثها في روسيا، في الثالث من آذار 2022، ليُستأنف في الـ18 من تموز 2022، من ريغا، عاصمة لاتفيا، على ساحل بحر البلطيق.

وكان خبراء كثر توقّعوا، بعد بدء العملية العسكرية في أوكرانيا، ضبط الإعلام «الليبرالي» الروسي المنفلت، والذي وصفه المفكر الإسرائيلي – الروسي المناهض للصهيونية، إسرائيل شامير، عام 2015، بـ«الأداة الطيّعة في يد الطابور الخامس، الذي يعمل ضدّ مصالح روسيا الوطنية». لكن هذا لم يحدث؛ إذ إن صحافيي ذلك الإعلام، الأكثر تشدُّداً من بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية نفسها، تحوّلوا إلى بوتينيين أشدّاء يخيفون بالكرملين زملاءهم، ويرفعون ورقة الوطنية الزائفة في وجه أعدائهم. ولذا، ربّما، لا يجرؤ أحد من ذوي الحلّ والربط على رفع البطاقة الحمراء في وجوههم.