بسام البدارين –
قبل نحو 17 يوماً فقط من موعد الاقتراع في انتخابات الأردن البرلمانية، بدأت تتضح أكثر مستويات بعض إشكالات مؤشرات الاشتباك وسط استمرار طرح «سؤال المشاركة والعزوف»، وأيضاً وسط «غموض» يكتنف تحضيرات أحزاب الوسط والمعارضة معاً.
مجدداً، غرقت شوارع العاصمة عمان والمدن الرئيسية بـ «اليافطات» الدعائية للمرشحين الذين يقل عددهم بقليل عن 1000 مرشح عن صنفي القوائم العامة والمحلية، ما سيرفع عملياً وإجرائياً من «سقف العتبة» المطلوبة لـ «تأمين الفوز بمقعد».
هذه المرة وخلافاً لكل مواسم الماضي ثمة «عدد أقل من المرشحين» ومخاوف «عزوف» ومقاعد «حزبية أكثر» وتنافس حيوي، لكن بعيداً عن «البرامجية» التي يريدها مسار التحديث السياسي، وعن «القضايا السياسية» بما فيها «القضية الفلسطينية»، وبعدد أقل من «زعامات المناطق» التي زهدت في المشاركة أصلاً.
سلسلة تقاطعات انتخابية ظهرت مؤخراً من الصنف الذي لا بد من التوقف عنده، خصوصاً بعدما بينت «لائحة رسمية» سجلتها الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات واطلعت عليها «القدس العربي» بأن «غالبية أحزاب الوسط» شهدت ظاهرة لافتة عندما يتعلق الأمر بمرشحي القوائم المحلية فكرتها «عدم التدوين والتسجيل باسم الحزب».
فعل ذلك عملياً حزب وسطي واحد، هو حزب الاتحاد الذي تظهر السجلات أن غالبية مرشحيه «صرحوا» رسمياً في سجلات الهيئة بانتمائهم للحزب، وفي المقابل جميع مرشحي حزب جبهة العمل الإسلامي ودون أي استثناء يشاركون رسمياً وشعبياً على أساس التصريح بتمثيل حزبهم.
وسط حملات دعائية للمرشحين في شوارع عمان والمدن الرئيسية
وعلى سبيل المثال، تقول خريطة الحضور الحزبي للمرشحين المسجلين بأن الحزب الوسطي الإسلامي لديه 38 مرشحاً في 15 دائرة انتخابية، مع أن الحزب سياسياً أعلن عن عدد أكبر من المرشحين، فيما أهم أحزاب الوسط -وهو حزب الميثاق- أعلن سياسياً وإعلامياً عن أكثر من 150 مرشحاً يمثلونه فيما الخريطة الرسمية تقول بتصريح 53 مرشحاً فقط.
حزب إرادة الوسطي أيضاً يشارك في انتخابات 16 دائرة انتخابية، وعدد المصرحين من المرشحين بانتمائهم للحزب 87.
إشكالية مبكرة
تلك الأمثلة الرقمية تؤشر على إشكالية مبكرة أظهرتها البيانات، مضمونها أن العديد من المرشحين الطامحين قدروا بأن «مصالحهم الاقتراعية» تتطلب «عدم التصريح» رسمياً بانتمائهم الحزبي، الأمر الذي يؤكد ما قاله يوماً خبير مخضرم لـ «القدس العربي» بعنوان «هامش جذب المرشحين لأصوات قواعدهم للحزب لا يزيد عن 40٪» فيما يمكن استثناء التيار الإسلامي فقط من هذا السياق، وإن كانت «لغة الأرقام» هنا تعني الكثير عن نسبة اليقين بالعمل الحزبي والانتخابي معاً، برأي المحلل السياسي المتابع مروان فاعوري.
ما يعنيه ذلك عملياً هو وجود شريحتين من المرشحين في البنية الحزبية؛ الأولى تمثل «كوادر حزبية» لا تؤمن بأن الانتماء الحزبي يساعدها في جذب الأصوات، والأخرى وجود مرشحين كبار باسم قوائم الأحزاب هوامش المناورة ضعيفة أمامهم في «تأمين» أصوات مناطقهم وعشائرهم بنسبة كبيرة لصالح قوائم أحزابهم.
على هامش نقاش تقييمي مع الرئيس السابق لمجلس النواب أحمد الصفدي، فهمت «القدس العربي» مباشرة أن الملاحظات القابلة للتصويب بشأن المسيرة الحزبية تتراكم الآن، مع التأشير على أن البعد الشخصي للمرشحين لا يزال حقاً من العناصر الفاعلة.
وذلك قد يعني بالخلاصة ليس الوقوف فقط على محطة «غياب البرامجية» المطلوبة والمنشودة عن يافطات ولافتات وشعارات الأحزاب التي تشتبك انتخابياً فقط، بل أيضاً تقدير مرشحي الأحزاب بأن العبور بأحزابهم بعيداً عن البرامج هو مهمة معقدة وسط مجتمعاتهم.
كشفت التحضيرات ـ في رأي الفاعوري ـ «خللاً لا يستهان به» في هذا السياق يتطلب طبعاً المراجعة والتقييم النزيه.
لكن «مطبات الانتخابات» في البنية الحزبية لا تقف عند هذه الحدود، واستناداً إلى ما تمكنت «القدس العربي» من رصده ولمسه من رموز وقادة خمسة أحزاب وسطية على الأقل، ثمة «مشكلة كبيرة اسمها توفير المال اللازم» لنفقات الحملات الدعائية الانتخابية.
«مجاملة المتبرعين»
واضح أن أحزاباً كبيرة من بينها «إرادة» و«الميثاق والوطني الإسلامي»، اضطرت في قوائم المرشحين لبعض «الاختيارات» المؤسسة على «مجاملة القادرين على تقديم تبرعات قانونية.
واضح أيضاً أن بعض «أثرياء» الأحزاب من غير المرشحين قرروا اعتزال المسألة مالياً لعدة اعتبارات، والأوضح أن الأحزاب التي تقدمت بعدد كبير من المرشحين يعوزها الآن «توفير النفقات المالية» المطلوبة حتى تتمكن من «منافسة» الصوت المسيس المنتظم التابع للإسلاميين أو أصحاب النفوذ الذين قرروا الاشتباك انتخابياً بدون الواجهة الحزبية وبعيداً عنها.
إشكالية الدعم المالي كان قد توقعها مبكراً في نقاش سابق مع «القدس العربي» رئيس الهيئة المستقلة الوزير موسى معايطة، وألمح لها أيضاً قادة أوفياء لمسار التحديث السياسي برمته، مثل الدكتور محمد المومني، وإن كانت إشكالية ينبغي ألا تعيق التجربة عموماً.
ما يمكن أن ينتج عن «أزمة تمويل الحملات» حزبياً أيضاً هو «حصة أوفر» وأقل عدالة في المشاركة والمنافسة لأحزاب معينة فيها أثرياء لديهم القدرة على التمويل للإنفاق في إطار القانون ودون أي حاجة لبرنامج سياسي.
«القدس العربي»