الأهتمام العالمي الواسع بما قاله جلالة الملك عبد الله الثاني في الكلمة التي القاها خلال الجلسة الأفتتاحية لاجتماعات الدورة الـ79 للجمعية العامة للامم المتحدة في نيويورك وكذلك ما قالته جلالة الملك رانيا العبدالله خلال المقابلة التي اجرتها معها شبكة (اي بي سي نيوز) الأمريكية لم يكن بالأمر الجديد بالنسبة لنا في الأردن وكذلك على مستوى الوطن العربي فما أكدا اليه يأتي ضمن مواقف الأردن الثابتة حيال مختلف القضايا الأنسانية على مستوى العالم والتي تتصدرها حرب الإبادة الهمجية التي تشنها دولة الإحتلال على غزة ولبنان والفظائع التي ترتكبها يوميا بحق الشعب الفلسطيني وما تواجهه الجمعية العامة للامم المتحدة من تحديات تضرب في صميم شرعيتها بسبب تعنت دولة الإحتلال المدعوم من قبل دول تدعي التزامها بالديمقراطية واحترامها لحقوق الإنسان .
الملك بدأ حديثه محذرا العالم مما آلت اليه الأمم المتحدة والتي فقدت شرعيتها بسبب تجاهل دول العالم لحجم الفظائع التي ترتكتبها اسرائيل مدعومة من دول الحلفاء لها في غزة وباقي المناطق الفلسطينية ومن ثم لبنان والتي وصفها بأنه غير مسبوقة ولا يمكن تبريرها وكأني به يُذكر قادة دول العالم بالمقولة العربية المشهورة ( أُكلت يوم أكل الثور الأبيض ) فأين دوركم ومسؤولياتكم لأعادة الشرعية لهذه المؤسسة الدولية الهامة المعنية بحماية السلام ولإنسانية والذي يُهدد بانهيار الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية .
أما جلالة الملكة في حديثها لشبكة (اي بي سي نيوز) الأمريكية فقد اشارت وبوضوح الى واقع ما يعيشه العالم جراء تعنت وتحدي دولة الإحتلال للمواثيق الدولية ومبادىء مؤسسات الأمم المتحدة حين قالت ان “العالم يعمل وفق نهجين مختلفين حيث يتم الاعتراف بمعاناة الإسرائيليين في حين يتم اعتبار الألم الفلسطيني أمراً عادياً ويتم تبريره وكأن إسرائيل هي الاستثناء لكل قاعدة تحكم عالمنا والفلسطينيون هم الاستثناء في الحصول على حقوق الانسان العالمية.”
وزادت جلالتها حين تساءلت عن موقف دول العالم من أمر استخدام التجويع كسلاح حرب واستهداف قوافل المساعدات، واستهداف الملاجئ التي تؤوي المدنيين، وفرض العقاب الجماعي؟ وما الذي يعنيه هذا بالنسبة لعالمنا اليوم؟ حين يتم تقويض سيادة القانون وفيما اذا سيتم محاسبة أي دولة أخرى على أفعالها؟ .
الملك خاطب العالم بأشد العبارات ومفردات الوضوح والشفافية حين قال لزعماء العالم “اسألوا أنفسكم ” إذا لم نكن أمما متحدة بالقناعة والإيمان بأن جميع البشر متساوون في الحقوق والكرامة والقيمة، وأن جميع الدول متساوية أمام القانون، فما هو العالم الذي نختاره لأنفسنا؟”
وحين كشف موقف الأردن الذي ادان هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر على مدنيين إسرائيليين لافتا في ذات الوقت الى حجم الفظائع غير المسبوق الذي تم إطلاقه على غزة والذي لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال واصفا الوضع الراهن بأنه ينذر بالخطر مشددا في ذات الوقت الى انه وفي ظل غياب المساءلة الدولية تصبح هذه الفظائع أمرا معتادا الأمر الذي يهدد بمستقبل يسمح فيه بارتكاب مختلف الجرائم في أي مكان في العالم فهل هذا ما نريده؟ .
كذلك أكد جلالته وبموضوعية أهمية ضمان حماية الشعب الفلسطيني وضرورة وجود آلية دولية من شأنها حماية “الفلسطينيين والإسرائيليين من المتطرفين الذين يدفعون بمنطقتنا إلى حافة حرب شاملة” منتقدا سلوك الحكومة الإسرائيلية ومحذرا من أن أي شكل من أشكال التهجير القسري هو جريمة حرب.
وقال إن التصعيد “ليس من مصلحة أية دولة في المنطقة داعيا دول العالم الى تحمل مسؤوليتها الإنسانية والأخلاقية لكي يتم توقف هذا التصعيد .
وزاد جلالته في كلمته مبينا موقف العالم العربي من السلام مع اسرائيل منذ سنوات عبر مبادرة السلام العربية لتطبيع العلاقات معها مقابل السلام غير ان الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة “اختارت المواجهة ورفضت السلام، نتيجة للحصانة التي اكتسبتها عبر سنوات في غياب أي رادع لها وفي غياب الرادع ازدادت هذه الحصانة شيئا فشيئا منتقدا في ذات الوقت المجتمع الدولي لعدم اتخاذه إجراءات فعالة تجاه الاحتلال الإسرائيلي ومطالبا بأن يتم احترام القانون الدولي.
وفي السياق أوضحت جلالة الملكة خلال مقابلتها مع الشبكة الأمريكية الى أنه “لن يربح أحد من مثل هذا التصعيد. ولا أحد سيعلم الآخر درساً،”
وقالت “الطريق الحقيقي الوحيد لتحقيق الأمن في المنطقة، ولشعب إسرائيل، واليهود في جميع أنحاء العالم الذين يتم تحميلهم أحياناً المسؤولية بشكل غير عادل عن أفعال هذه الحكومة، هو عبر اتفاق سلام عادل وشامل وأن التعبير عن القلق أو حتى الدعوات إلى وقف إطلاق النار لا معنى لها طالما يتم الاستمرار في إمداد الأسلحة التي تقتل المدنيين”.
كما لفتت جلالتها الى الدور المطلوب من الولايات المتحدة الأمريكية الحليفة الأولى لدولة الكيان حين قالت ان “للولايات المتحدة نفوذاً عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً يمكنها استخدامه مع إسرائيل، وأن عليها البدء في استخدامه، “لأن مخاطر التصعيد مرتفعة جداً الآن.”
وقالت ان فشل محادثات السلام في الماضي كان بسبب عدم بذل أي جهد لتطبيق القانون الدولي ولعدم وضع كلف أو عواقب لردع الاحتلال، “لذلك شعرت إسرائيل بالاستقواء وقامت ببناء المزيد من المستوطنات، والاستيلاء على المزيد من الأراضي”.
وأما ابرز ما جاء في كلمة جلالة الملك حين استذكر كلمات والده التي ألقاها قبل 64 عاما خلال الدورة الخامسة عشرة للجمعية العامة قائلا: “أدعو الله أن يتحلى مجتمع الأمم هذا بالشجاعة لاتخاذ القرار بحكمة وجرأة، وأن يتخذ الإجراءات العاجلة بالحزم الذي تتطلبه هذه الأزمة، والذي تمليه علينا ضمائرنا”.
وختم حديثه قائلا “لقد كان والدي رجلا قاتل من أجل السلام إلى آخر رمق، ومثل والدي تماما، فإنني أرفض أن أترك لأبنائي أو لأبنائكم مستقبلا يحكمه الاستسلام”.