مع دخول مجال المحتوى المعرفي وحواضنه الثقافية إلى أبعاد تعليمية جديدة، أصبح لزوم على الرسالة التعليمية إعادة تصويب اتجاهاتها، سيما وان الحواضن باتت مدمجة بين العالم الوجاهي المحدد بالتواصل النمطي المبين، وبين عالم التواصل الافتراضي بمحتواه العالمي الواسع الذي بات من الصعوبة اختزاله عن ثقافة الطالب التعليمية أو المسلكية في الاكتساب والتنشئة، كما بكيفية ادخال مناهج التعليم الى الاذهان بعدما أصبحت نماذج التواصل مغايرة عن ذي قبل نتيجة التطور الكبير الذي جاءت به علوم التواصل، لا سيما في طريقه بيان المعرفة والوصول بها إلى الاستهدافات المرجوة بالاستفادة بواسع تقدم علوم التواصل الافتراضي وعلوم الذكاء الاصطناعي، التي باتت قادرة على بيان أجواء تجسيدية بدلا من ما كانت تقف عليه من حالة تلقينية لأسلوب تعليم تقليدي كانت تعنونه بل وتحاصره لوحة المدرسة والمعلم والحيز الطلابي بالصف المدرسي والمحتوى الوجاهي المحدد في طبيعة التعامل بين الأستاذ والتلاميذ، لكن مع فرض علوم التواصل الجديدة لابعادها أصبح الحيز المدرسي أشبه بمنصة وجاهية التى بحاجة إلى منصة أخرى متممة تراعى فيها طريقة الاكتساب وأسلوب التواصل والمحتوى التعليمي الذي يمكن الرجوع إليه للدراسه عن بعد، على أن يشكل بمحتواه صورة تجسيدية يمكن اكتسابها بسهولة مع دخول ثقافة العصر إلى أبعاد ثلاثة بما يجعلها سهلة ويمكن هضمها بلغة العصر والتى اصبحت تعبر عن مضمون بيانه.
وحتى يستقيم حال الطالب والمعلم والمحتوى والتأهيل الأكاديمي والثقافي، فيجب مراعاة هذه المستجدات والعمل على أخذها بعين الاعتبار عند إعادة النظر ببرنامج التربية والتعليم، وعند الشروع بوضع استراتيجية التعلم المعرفي الجديدة التى من المفترض أن تدمج ما بين قنوات تلقي العلوم عبر القنوات الافتراضية ووسائل التدريب و مسلكيات العمل عبر الحواضن الوجاهية في محتواها المدرسي أو الجامعي.
وهو ما يبرز علامة تحدي كبير تقوم على كيفية الاستفادة من وسائل العالم الافتراضي في تقديم المعلومة وبيانها بوسائل حديثة واليه استثمار الحواضن الوجاهية في التدريب والتطبيق تمهيدا لدخول الطالب لسوق العمل، فالشهادة الجامعية ليست غاية ويجب أن لا تكون فى ثقافة المجتمع غاية أو هدف، بل هي وسيلة غايتها الدخول لسوق العمل لتحقيق اضافه تجاه رسالة البناء الوطنى فى كل المجالات التنموية والنمائية.
ولعل مشروع التعلم المعرفي الذي جاءت رؤيته بالأوراق الملكية يعتبر حجر الزاوية فى التطوير والتحديث المنهجي لما لهذا المشروع من أهمية كبرى لكونه يقوم بنقل الحاضنة المدرسية إلى حاضنة تأهيلية، كما ينقل الحاضنة الجامعية الى حاضنه تنموية أخرى حتى تصبح المسافة بين الجامعة وسوق العمل هي مساحة صفرية، وحتى لا نبقى نمتلك أفواج من الخريجين وسوق العمل بحاجة إلى تخصصات مغايرة عن ما تم إعداده فى الحواضن الجامعية.
إن مشروع التعلم المعرفي الذي ندعوا لترسيمه، هو ذلك المشروع الذى يقوم على اللامركزية الادارية وعلى الإستقلال المالي والادارى للجامعات، وهو المشروع الذي يسمح بإيجاد مساحة أوسع للمدرسه فى العمل والإعداد وإيجاد برامج معرفية تمكن الطالب من محتواه المدرسي أو الجامعي وتشكل ركن أساسي في المجتمع المحلي.
على ان يأتى ذلك كله من خلال مشروع تنموي انتاجي داعم لهذا المشروع الذى يرنو بالمحصلة لترسيخ ثقافة الاقتصاد الإنتاجي منذ التنشئة وفترة الإعداد، وذلك بتقديم ثقافة (العمل على السكن) وكما يستثمر بالمجالات الحيوية المعرفية التى باتت متوفرة فى المجال الافتراضي ويقوم بالبناء عليها في كل المساقات طلبا للإبداع والتميز والابتكار فإن العلوم التي لا تضيف على علوم سابقه حالة معرفية جديدة تبقى تدور بعناوين الاستخدام غير القادرة على الاضافه والابتكار، الأمر الذي نتطلع إليه ليكون جزء أساسي مما ننشده ونطلع عليه ليكون فى مشروع التعلم المعرفي الذي يقوم أساسه على الابتكار فى شتى المجالات المعرفية.
إن مشروع التعلم المعرفي، الذي ينتظر منه إعادة تأهيل المدرسة والجامعة وإعادة تطوير وتنظيم المناهج ووسائل التواصل وإعادة تأهيل المعلم وتمكينه، ينتظر أن يشكل عنوان عريض في رسالة الإنجاز الوطنى التى يقوم عليها جلالة الملك المعزز بتطوير النهج فى شتى مجالات الحياة ورافد العمل، وهو المشروع الذى نرجوه ترسيمه في المستقبل المنظور.
ومن وحي هذه الرسالة تأتي مبادرة منصة الحكمة التعليمية، التى انطلقت ضمن احتفالية كبرى بالأمس، حيث كنت ضيف شرف عليها كما كان المهندس صخر دودين والدكتور ايهاب محمد فوزى بالى مطلقها، لتطلق رسالة تجسيدية تعليمية جديدة في سماء الأردن والوطن العربي وهي تقدم منصة تعليمية معرفية بتقنيات تكنولوجية عالية المستوى تقوم على الذكاء الاصطناعي لتسهم في ترجمة للأفكار التي جاءت بها الأوراق الملكية، والتى كنت قد بينتها في كتابي الاوراق الملكية رؤية استراتيجية وفق نماذج كانت قد دعت اليها الملكة رانيا العبدالله في تطوير المنهج التعليمي الأكاديمي ليكون ضمن منهجية عصريه تنطلق من المدرسة، وها هي منصة المحكمة تستجيب بإطلاق منصتها المعرفية باطلاله طلابية ومن محتوى فكري يحمل منطوق الضاد وثقافة العصر ومنهجية علم معرفي حداثي تجسيدا للمنهجية الجديدة في التعلم والتعليم.