الروائي الحوتري: الطفولة ليست بمعزل عن السياسة

 

حاورته: الكاتبة اللبنانية ضحى عبد الرؤوف المل

الحقيقة أن ما أراد الحديث عنه الروائي أسيد الحوتري في هذه الرواية هو جيل السبعينات، الجيل الأردني-الفلسطيني، أردني غرب النهر، الذي ولد في المهجر، في دولة الكويت وتربى فوق ثراها، ودرس في مدارسها، ولكنه هجرها مجبرا بعد الغزو الذي تعرضت له فكانت هذه الهجرة تغريبة جديدة عاشها جيل السبعينات كالتغريبات التي عاشتها الأجيال السابقة في حربي النكبة (1948)، والنكسة (1967).

لذلك كانت بداية الرواية مع “سفر التكوين” حين ولد سعيد البحتري في الكويت، وكان الفصل الذي يليه للحديث عن حادثة الصراع على بالونين في فترة قبل الدخول إلى الروضة، والفصل الذي يليه كان عن حدث في فترة دخول سعيد الروضة، لتتسلسل الأحداث الرئيسة وترتبط بالمراحل الدراسية، الابتدائية فالمتوسطة، فالثانوية، ثم غزو صدام للكويت، والخروج منها إلى عمّان.

لم تعالج أي رواية عربية هذه الفترة الزمنية لأردنيي غرب النهر المقيمين في دولة الكويت مع العلم أن عددهم في الكويت عام 1990 تجاوز 400 ألف نسمة في حين كان عدد الكويتيين (800) ألف نسمة. لذلك كانت هذه الثيمة مكانا بكرا لم يطأه يراع من قبل، فاختار أسيد الحوتري الولوج إليه والغوص فيه والكتابة عنه. وقد أجرينا معه هذا الحوار

 

– هل تضع خارطة الماضي السياسية أمام جيلك الذي أمضى طفولته تحت تاثير حكايات عالمية وكرتونيات ما زالت في الذاكرة؟

– الطفولة ليست بمعزل عن السياسية واسألوا أطفال الحجارة إن كنتم لا تعلمون. يجب التميز جيدا بين طفولة السن وطفولة الوعي، فكثير من الكبار في السن أطفال من حيث وعيهم فيما يخص قضية ما، وكثير من الأطفال كبار من حيث وعيهم في نفس القضية. أما الرسوم المتحركة فما هي إلا قصص كتبها الكبار للأطفال أو حتى لكبار مثلهم، والمسلسل الكرتوني “حكايات عالمية” خير دليل على ذلك، فكثير من القصص الواردة فيه ألفها كتاب عالميون مشهورون، وجزء منها من التراث الشعبي العالمي. معظم هذه القصص تعالج ثيمة الصراع بين الخير والشر، وهنا تكمن السياسة، وتتجلى السياسات وما ينتج عنها من صراعات دائمة بين الخير والشر: صراعات داخلية تتمثل بدعوات للإصلاح أو التغيير أو الثورة، وصراعات خارجية: حروب باردة أو بالحديد والنار. كما أن المسلسل الكارتوني “غزاة من الفضاء” مشتبك بشكل جلي بالسياسة لأنه يسرد قصة غزو يقوم به الزعيم “فيغا الكبير” لكوكب الأرض. وهذا الزعيم ما هو إلا شخصية رمزية لكل محتل مستعمر، وما شخصية “دوق فليد”: دايسكي الذي يقود “جراندايزر” إلا رمز للمقاومة. لهذا نجد أن الطفولة ومسلسلات الكارتون منخرطة في الخارطة السياسية بشكل أو بآخر.

– هل اصطدمت الرواية السياسية الفلسطينية بواقع أصاب جيل التسعينات تحديدا بهلوسات؟

شهدت التسعينيات حرب الخليج الثانية والتي بدأت بغزو الشقيق لشقيقه، وكلا الشقيقان كانا داعمان رئيسان للقضية الفلسطينية! لذلك وقع جيل التسعينات الفلسطيني مع سائر الأجيال الأخرى في حيرة من أمرهم. وتباينت الآراء حول الغزو، مع ذلك فقد سبب غزو الكويت صدمة كبيرة لهذا الجيل والأجيال السابقة التي ورثت مجموعة من الهزائم والحروب والمواجهات الدامية التي امتدت لعقود ابتداء من الاستعمار الأوروبي للعالم العربي، مرورا بالنكبة والنكسة والعدوان الثلاثي وحرب السادس من أكتوبر والحرب الأهلية اللبنانية واجتياح لبنان، والحرب العراقية الإيرانية والانتفاضة الفلسطينية. وبعد كل هذا جاء غزو الكويت فشكل صدعا كبيرا في الأمة العربية فقسمها إلى قسمين: “دول المع” التي أيدت الكويت و”دول الضد” التي وقفت مع صدام حسين أو التي لم تتخذ موقفا حاسما من الغزو. ومع غزو الكويت والحرب التي شنت لتحريرها تحول الصراع من عربي-صهيوني إلى عربي-عربي، وفقدت القضية الفلسطينية الاهتمام العربي عموما والخليجي خصوصا بعد إدارج منظمة التحرير الفلسطينية مع “دول الضد” مما ضيق الآفاق السياسية أمام المنظمة وجعلها تتخلى عن الكفاح المسلح لتخوض غمار “التسوية السلمية” ليتحول العدو الصهيوني إلى شريك في السلام، ويصبح عدو الأمس أقرب من الشقيق العربي، وتستمر مقاطعة الخليج لأشقائهم العرب من “دول الضد”. كل هذه المواجهات الدامية، والتناقضات بين النظري والعملي أثرت سلبا على السلامة النفسية والعقلية لجيل التسعينات الذي ولد في أجواء من الفرقة والانقسام والتشظي العربي ما أصابه بما بشابه الذهان والهلوسات.

– حقل ألغام روائي تزرعُ فيه نقاط تستقر ذهنيا في رأس القارىء، هل تقاتل روائيا من أجل القدس؟

كل من موقعه وكل بحسب إمكانياته، هذا ما يجب أن يقوم به بكل فلسطيني، وكل عربي، وكل مسلم تجاه القدس. إن أحد الأهداف الرئيسة التي جعلتني أكتب (كويت بغداد عمّان) هو تقديم تلخيص ماتع وشائق ومفيد للقضية الفلسطينية التي كانت يوما من الأيام تدرّس في المناهج الدراسية العربية وتم حذفها لاحقا. فارتأيت أن أقدم لجيل اليوم خصوصا القضية الفلسطينية في رواية حتى يعي هذا الجيل ويدرك ما حدث على وجه الدقة. الرواية هي حافلة تمر بعواصم عربية مدينة الكويت، بغداد، عمّان ولكن ركاب الحافلة كلهم أردنييون من غربي النهر: فلسطينيون إن شئتم. فموضوع البحث والسرد هي فلسطين من النهر إلى البحر وعلاقتها بمدينة الكويت وببغداد وبعمّان وبعواصم عربية وإسلامية وغربية أخرى.

– تتبنى نهجا روائيا يلبي حاجة جيل العصر الحديث فلسطينيا، هل تصنف نفسك روائي للقضايا العربية حصرا؟

رواية “كويت بغداد عمان” سلطت الضوء على القضية الفلسطينية ومعاناة الفلسطينيين، وعلى غزو النظام البعثي للكويت وحرب الخليج الثانية، وهذا يؤكد على الاهتمام بالقضية الفلسطينية والقضايا العربية أيضا، مع ذلك فقد تطرقت الرواية لتهجير العرب المسلمين من الأندلس وهذا التهجير يعد شأنا عربيا، وإسلاميا في الوقت ذاته. كما أن الاستشفاء بالكتابة التعبيرية والكتابة الإبداعية وبالقراءة كان أحد الثيمات الرئيسة في الرواية، وهذا الاستشفاء قضية تتجاوز الوطنية والقومية والرابط الديني إلى الشأن الإنساني.

لذلك يبدو أني أركز بكتابتي على الجانب الفلسطيني والعربي إلا أن القضايا الإسلامية والإنسانية حاضرة دائما في هذه الكتابات، ويعود ذلك إلى هويتي الشخصية التي أعتبر فيها أن فلسطين والأردن والوطن العربي والعالم الإسلامي والإنسانية كلها أجزاء لا يمكن فصلها عن هذه الهوية.