في إطار رؤية التحديث الاقتصادي تنفذ وزارة التربية والتعليم العديد من المبادرات والمشاريع لتطوير النظام التعليمي، من بينها تطوير برامج التنمية المهنية للمعلمين. فها هو التعليم اليوم يحظى تطويره والارتقاء به بإرادة سياسية تمثلت بحرص جلالته للقاء المسؤولين والخبراء القائمين على برامج تطوير تدريب المعلمين وتوجيههم وشحذ هممهم لاستكمال المراحل المتبقية من المشروع الوطني.
وبلا أدنى شك، الإرادة السياسية هي الأساس للارتقاء بمستوى التعليم – وهذه الإرادة تعبر عن تقدير جلالته لما للتعليم من دور في تحقيق أهداف التنمية الاقتصادية والاجتماعية للجميع. وبعد أن كان الأردن يحرز تقدما كبير في مجال التعليم عبر عقود مضت، إلا أنه وبكل أسف – في السنوات الأخيرة – انخفض تصنيف التعليم في الأردن في العديد من المقاييس العالمية. ومع ذلك نقول: لا بأس! فالعمل الدؤوب والمشاريع التي تنفذها المؤسسات الناظمة للتعليم في الأردن – إذا ما توفر لها التخطيط والمصادر اللازمة – لا بد لها أن ترتقي بمكونات العملية التعليمية بما في ذلك تطوير مكانة المعلم وكفاياته.
إن اهتمام جلالته وتركيزه على ضرورة تطوير برامج تطوير المعلمين فيه رمزية كبيرة من حيث اعتبار أن التعليم أولوية وطنية ومحورا مهما في مسيرة التحديث الاقتصادي، ومن حيث أن المعلم عنصر أساسي في تطوير منظومة التعليم؛ فتعزيز دور المعلم ليقوم بدوره بفاعلية وجودة عالية يتطلب تطوير وتحسين بقية مكونات المنظومة التعليمية. فتطوير برامج تدريب المعلمين يحتاج إلى بناء معايير وخطط التنمية المهنية للمعلمين وفق أفضل وأنسب الممارسات العالمية، والاستثمار في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات بما توفره من امكانات التدريب الذاتي للمعلمين ومناهج التدريب القائم على المدرسة.
أما المناهج، التي لم تسلم من عمليات تعديل وتغيير انخفض فيها مستوى التركيز على القيم الوطنية والثقافة المحلية؛ لما رافق عمليات التعديل هذه من تفرد جهة بعينها أو مزاجيات مرحلية ستشكل خطرا على أجيال متعاقبة، بينما التوجيه الملكي كان ولا يزال حاضرا في فكر جلالته – كما في الورقة الملكية النقاشية السابعة – التي حددت رسالة التعليم، ويأتي لقاء جلالته بالقائمين على برامج تطوير التعليم ليؤكد للجميع ضرورة وضع الخطط وتوفير البرامج والمصادر التي ترتقي بمخرجات التعليم، وهذا يتطلب ضرورة التقليل من المحتوى التعليمي الذي يتوفر للطالب بكل سهولة وفي أي وقت كالموسيقى والتمثيل والمسرح، وبدلا من ذلك لا بد من تمكين المعلم كي يصبح قادرا على الانتقال بالطالب إلى الفضاء الرقمي والذكاء الصناعي وتحديد مساره المهني نحو تخصصات التعليم والتدريب المهني المستحدثة والتي تواكب التطورات العالمية.
إن تطوير برامج تدريب المعلمين تستوجب إعادة النظر بآلية اختيار القيادات التعليمية وتأهيلها، لتتمكن من تقديم الدعم والاسناد الكافي الذي يحتاجه المعلم. كما أن إلزامية إجازة ممارسة مهنة التعليم التي أكد جلالته على ضرورتها للنهوض بقطاع التعليم تستلزم إعادة النظر في الانفاق على التعليم وزيادة المخصصات المالية للتعليم ولتأهيل المعلمين قبل الخدمة وفي أثنائها. وكي نرى أثرا لبرامج التنمية المهنية للمعلمين لا بد من توفير بيئة تعلم ملائمة يستطيع المعلم من خلالها التنويع في طرق التدريس التي يكون للطالب فيها دورا نشطا، وهذا يتطلب التقليل من الاكتظاظ في الصفوف المدرسية، وتوفير المستلزمات التكنولوجية للمعلمين والمشرفين.
وختاما، إذا أضفنا إلى ذلك حرص جلالة الملك عبد الله الثاني على تطوير منظومة التعليم بكافة مكوناتها، واستشعاره للأخطار والتهديدات التي تعصف بالمنطقة، والتي لا يمكن أن يصمد أمامها أي شعب ما لم يكن لديه معلمين يمتلكون الكفايات التي تؤهلهم لبناء جيل قادر على العيش بثقة واقتدار في عالم يتغير باستمرار. ندرك بأن لقاء جلالته بمجموعة من المسؤولين والمعنيين، وبحضور سمو الأمير الحسين بن عبدالله الثاني ولي العهد، شكّل نقطة فارقة في خضم الجهود الحثيثة التي تبذل في سبيل تطوير التعليم. فكان توجيه جلالته للقائمين على برامج تطوير وتحديث التعليم جليا وحازما من حيث ضرورة تصميم برامج لتدريب المعلمين عالية الجودة ليكونوا قادرين على بناء جيل مسلح بالعلم والتكنولوجيا والمهارات التي تلائم طموحاتهم وتستقرئ مستقبلهم، بالإضافة إلى ضرورة تطوير التعليم المهني واستحداث تخصصات جديدة تواكب التوجهات العالمية والاحتياجات المحلية ومتطلبات سوق العمل.