القانون الدولي العام ودبلوماسية المنظمات الدولية د.حازم قشوع

 

لعل الدبلوماسية بكل ما تحويه فى مضمونها من مساقات رسمية أو سياقات برلمانيه او حتى مسارات عامة، تندرج في ذلك الإطار الذي يجمع القانون الدولى العام باعتباره أداة ناظمة لعمل المنظمات الدولية مع اجسام المنظمات المحلية، والذي بدوره سيما لها بتبادل وجهات النظر ضمن الإطار السلمي لتحقيق الجملة المتوخاة المنشودة التي تندرج في إطارها بهدف حفظ الأمن والاستقرار الدولي ويحقق لها غايات التكوين وذلك ضمن جملة بيان تقوم على المساءلة والمسؤولية بحكم القانون، وأخرى تقوم على الحماية والعناية لهذه المنظمات بما يسمح لها بالتطور والتطوير لتحقيق سرعة الاستجابة اللازمة لاحتواء المشهد العام، إذا كان أمنيا أو بيان حالة الاستدراك المنشودة إذا كان قيميا يندرج في الإطار الإنساني وهو يأتي بالغالب الأعم وفق معادلة توأمة بين طبيعة العلاقة للمنظمة الدولية و الإطار الناظم للعمل ووسائل التحقيق وآليات التطبيقات.

وفي ظل طبيعة المتغيرات المعرفية التى جاءت بها شبكات عالم التواصل وعلوم الذكاء الاصطناعي في تشكيل المحتوى الثقافي للبشرية كما للعلوم الانسانية، فان حالة الأمان المنشودة لسلامة البشرية كما للسلم الإقليمي والسلام الدولي غدت تجمع بين مفهوم الأمن بالضابطة القانونية وبين المرجعيات القيمية، التي تقوم عليها مناخات الحرية وضوابطها في إطار القانون الدولي الإنساني في ظل عدم تحديد درجة العلاقة بين أحقية الدول في الدفاع عن النفس بطريقه القوة من دون استناد مرجعي للشرعية الدولية ومرجعياتها القانونية، وهذا ما أعاد خلط الأوراق عندما باتت تعتمد هذه السياسات الى بيان جملة خارجه عن النصوص القانونية وقواعد العمل، حيث باتت تمثل قانون الغاب الذي لا يستند لمرجعية سلمية كما لا تقوم على الأطر القانونية بقدر ما أجازت لنفسها استخدام قانون القوة بدلا من الاتكاء على قوة القانون، الذي كان من المفترض أن يشكل للجميع المرجعية القانونية لبيان الحق وإظهار حالة إنصاف للمظلوم وفرض العقوبة على المعتدي والظالم، وهى الوسيلة التى كانت من المفترض أن تشكل المسار الوحيد فى فض النزاعات و التي تتكئ عليها الهيكلية الأممية في إطار القانون الدولي العام وفى مجالات دبلوماسية المنظمات الدولية.

الأمر الذي جعل من المنظمات الدولية تبدو عاجزة بفرض قوة القانون وسيادته فى ظل الظروف الاستثنائية التي تشهدها الحالة السياسيه الراهنه نتيجة التقلبات الجيواستراتيجية السائدة التي يشهدها العالم، لكن هذا المعطى من المفترض أن يستوجب على الجميع استدراكه دعما للمؤسسات الدولية وشرعيتها واحتراما للقانون الدولى مرجعياته القضائية والتشريعية، وذلك عبر أحداث وقفة تضامن مقرونه باستدراك تقف مع القانون الدولي وتدعم سيادته من دون تسييس يضعفه أو تمييز يجعله فى غير نصابه، كما دون دوافع تستند لمبررات واهية راحت تقف فوق حدود القانون ومرجعياته مهما كان لبوسها أو حملت دفوعات قادتها للقيام بهذه الانتهاكات وارتكاب هذه الجرائم الوحشية بحق الإنسانية.

حتى لا يبقى القياس قائم في أوجه العمل ويكون الميزان مبني على مكيالين، فيقوم أحدهما على الإنصاف وإحقاق القانون، والآخر يقوم على المغالبة السياسية بالنفوذ مع وجود حماية صوت الفيتو الى جانبه، وهو الفيتو الذي كان من المفترض أن يتم تقييده ولا يجوز استخدامه ضد القضايا الانسانية او تجاه قرارات المحاكم الدولية لأنها تمثل هيبة المنظومة الدولية وسلطتها التي من المفترض أن تكون أداة قضائية ملزمة، تحمل صفة اقراريه وليس تقريرية في إطار عمل المؤسسات الدولية بما يجعل مجلس الأمن أداة تنفيذ وليس أداة تقييم سياسي لقرارات هذه المحاكم المنبثقة من الهيكلية الناظمة في الأمم المتحدة.

وهذا ما برز بشكل واضح فى ظل الأحداث التي نعيشها في أوكرانيا وفلسطين، فبينما كان يقام تطبيق القانون الدولي والإنساني في أوكرانيا نتيجة التغول الروسي على حدودها الجغرافية، يقف القانون عاجزا أمام دولة الاحتلال وهي تمارس حالات جرائم ضد إنسانية شعب أراد الحياة ويعمل وفق القانون الدولي والإنساني لإقرار حق تقرير مصيره لإجلاء الاحتلال، وعلى الرغم من بيان حقوقه بالقانون الدولي والتعريف الإنساني بموجب قرارات الشرعية الدولية والمواثيق الأممية، إلا أن المحتل الاسرائيلي ما زال يدمر ويقتل ويهجر ويطرد غير آبه لا بالقانون الدولي ولا بمرجعيته.

وهذا ما جعل من العالم يفزع لهول عجز القانون الدولي ولهول الجرائم التى ترتكب بحق الشعب وهو يشاهد على مرأى من عينيه ممارسة إرهاب الدولة الاسرائيلية التي تمارس ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، وتقوم حكومة تل أبيب بسياسات من الترويع والتجويع بقصد التهجير والترحيل بصورة استفزت المشاعر الانسانية، لكن المنظومه لم تستطع حتى من إيصال المساعدات الاغاثية بما فى ذلك عودة المياه والكهرباء بعد انقطاع تجاوز السنة على الرغم من كل النداءات الإغاثية التي نادت بها المنظمات الإنسانية والصحية والوبائية والحقوقية، الا ان كل هذه النداءات لم تشف عند المحتل من تسهيل عملية وصول القوافل الاغاثية الى مستحقيها، بينما يحاول الأردن إيصالها عبر الإغاثة الجوية التى لم تتوفر له غيرها على الرغم من المأساة المعيشية التي يعيشها النساء والأطفال بدون مأوى أو ملجأ أو دواء وحتى غذاء، وهذا ما يجعل من غزه هي السجن الوحيد فى العالم الذى لا يتوفر لنزلائه المأكل والمشرب كما المكان الآمن.

وهذا ما بين ان سوط القوه اقوى من صوت العدالة الذي من المفترض أن يمثل القانون وسيادته، كما بينت المحاكم الدولية عدم قدرتها على ترميم الهوة بين ما أراد بيانه القانون الدولى بإطار مرجعيات المساءلة وتحمل مسؤولية الأفعال، وبين المنظمات الدولية وطريقة عملها الدبلوماسي في بيان الاحداث واحتواء الأزمات فى ظل حالة الضعف والهوان التي تعيشها المنظمات الدولية وحالة الاستقواء عليها بموجب قانون القوة و مناخات الاستقواء على القانون وشرعيته، فان التصدى لذلك بات ضرورة ملحة لحماية المرجعيات القانونية والمنظمات الدولية كما المنظمات الإقليمية العاملة، وذلك للتصدى الى قوة النفوذ وقانون القوة الذي أخذ ينتصر على قوة القانون ويؤثر بطريقة سلبية على منظومة العمل الدولية بشكل عام كما فى المضمون المبين في العمل الدبلوماسي، وهى المسألة التى باتت تشكل قضية كبيرة في القانون الدولي باعتباره مرجع ناظم ومنظمات العمل الدولية في العمل الدبلوماسي التى من المفترض أن حفظ منظومة العمل وتبين طبيعة الأحداث.

ان المنظمه الدوليه عند بلورتها كما تستند عند نشأتها الى شرعية تكوين حكومية، أو تأتي ضمن اتفاقات اقليميه ودوليه حسب الهيئات الدولية، وهو ما أقره المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة من تلك المضامين المنبثقة عنها هذه المنظمات، وهو ما جعل من العنصر الثاني المتمم لبنائها يستوجب محتوى التمييز القائم للحفاظ على ديمومة الاستمرارية في أجسام المجتمع الدولي وهيئاته حسب مقتضيات العمل المبينة التى يلزمها بالتمتع باستقلاليتها الذاتية باعتبارها مؤسسة اعتبارية لها وجهة نظر مستقلة ذاتيا من مداخل وأبواب الاختصاص فى المنظمات الدولية، كونها تجمع اختيارى للدول تهدف للوصول إلى أهداف محددة كما لها وظائف مبينة بموجب هيكلية إدارية مستنده للجهة التشريعية الإقرارية في نظامها الأساسي، وهذا اضافة للأخرى المتممة التنفيذية العاملة لإقرار سياساتها والتحدث باسمها حسب الصفات التخصصية لهذه المؤسسات إن كانت اقليمية او دولية او تستند لأرضيه عمل جامعه، فان كانت إقليمية حملت معها ارضيه موروث إنساني كجامعه الدول العربيه او الفرانكوفونية أو مهنية علمية بالطابع والمضمون أو تكنولوجية أو حتى عسكرية مثل الناتو، لكن كلها تعمل ضمن التخصصات التي تبين ماهيتها ضمن إطار القانون وسيادته باعتباره المرجعية الناظمة لإدارة صيرورة أعمالها.

ولعل أساس إنشاء المنظمات الدولية الذى يستند بالاصل إلى معاهدة القانون الدولي ومواثيقه، وهو ما يجعلها تخضع لشروط المعاهدات المنشئة للمنظمات الدولية حسب تسمياتها الواردة من المرجعيات القانونية، مثل مرجعيات “الميثاق او الدستور او العهد او النظام الاساسي او الاتفاقية”، لكن كلها تنبثق منها هذه المنظمات حسب الإطار الناظم لطبيعة عمل المؤسسات المنبثقة منها، وهذا ما يجعل الإطار الناظم لها يشكل مرجعية اساسية لكل منها وفقا لكل لسمات المؤسسة وطبيعة النشأة وآليات العمل المنبثقة عنها، وهو ما يجعل درجة التمايز بين هذة المنظمات الدولية قائمة بين ما تسعى اليه هذه المنظمات فى الحفاظ على القيم الإنسانية وصون نماذج العمل فيها وبين ما ترنوا لتحقيقه، هذا اضافة الى بيان درجة التمايز الإدارى وعامل الجودة الذى بميزها وبيان وسائل التواصل والاتصال فيما بينها وبين محيطها والذي من المفترض ان يعزز شرعيتها بمشروعية القبول بقراراتها لتكون جميعها منصبه تجاه إعلاء قوة القانون والعمل الرسمي لها ضمن المرجعيات الدولية، وهو ما يجعل من الدول كما المجتمعات تدعم الشرعية الدولية حفاظا على حال الأمن والسلم الأهلي فيها باعتباره المرجعية الناظمة لعمل الدول الأعضاء، كما تجعل من المجتمعات تسهم بإغناء بحر المعرفة بتباين الموروث الثقافي اضافة الى العلوم المعرفية بما تسهم من فيه من اختراعات وابتكارات قد تصل إليها المجتمعات لتضيف فى روافد أنهارها المعرفية وتنوعها الثقافي موزاييك التعايش الإنساني في بحر البشرية جمعاء.

أن موظفي المنظمات الدولية الذين يعملون بموجب قرار صادر عن هذه المنظمات وفقا للهيكلة الإدارية الصادرة عنها تعتبر حمايتهم مصانة من قبل المنظمة الدولية التي حمايتها أيضا مصانة من الأمم المتحدة بموجب قرار محكمة العدل الدولية، كما يعتبر ممثلي هذه المنظمات تحت حماية القانون الدولي ولديهم حصانة أممية تحميهم من الضغوطات الذاتية او الموضوعية التي قد تعتري عدم قيامهم بالأدوار الانسانية او قد تضغط عليهم ذاتيا أو سياسيا عند بيان الأمر أو الإفصاح عن حاله أو اتخاذ موقف حازم تستلزمه مجريات عمل المؤسسة في تطبيق نماذج عملها من الإطار الدولي إلى الحواضن المحلية، وهي الازدواجية التي يعاني منها الكثير من المؤسسات الدولية عند تطبيق نماذج الحاكمية الرشيدة في مجالات نماذج الحريات أو الديمقراطية أو عند الدخول إلى ميادين المعارك لإيصال المواد الإغاثية او الصحية او عند التفتيش على الأسلحة البيولوجية والاستراتيجية، وهي جميعها تستدعى الحصانة كما تسترعي تطبيق قوة القانون وترفض سوط القوة والعمل على مسائله من يستخدمه باعتباره نموذج رجعي غير إنساني، ولا يجوز للدولة التى تستخدمه فى ظل السيادة الدولية وقنواتها الأممية الشرعية ولا يجوز أن يبقى عضوا عاملا فى المنظومة الدولية التى جاءت بالقانون من أجل الحد من استخدام القوة لوقف حالات التغول على القانون ومرجعياته العنجهية السلطوية.

صحيح أن المنظمات الدولية هي منظمات اختيارية في التنشئة والتكوين لكنها هي أيضا منظمات دولية فاعلة، حيث ستعمل بعد التشكيل والتأسيس في إطار فلك دولى وليس وطني فحسب، وهذا ما قد يجعل العلاقة لا تعيش بشكل ودي دوما بين المنظمات الدولية والتوجهات الوطنية ويبقى ميزان العلاقة متحرك بين التطلعات الوطنية التي انطلقت منها أعمال هذه المنظمات من المقتضيات الدولية التي تدور في فلكها حسب النتائج، وليس كل
ما يجري التفاهم وإقراره فى الفلك الدولي سيكون محط ترحيب عند المجتمع المحلى، وهو ما يجعل من هذه المنظمات الدوليه عرضة للتشكيك والاتهامات عند الكثيرين نتيجة التفاوت الثقافي او الصناعي او العلمي أو المعرفي بين المجتمعات ببعض، وهي الهوة التي بحاجة إلى برنامج عمل إصلاحي وتصحيحي يقوم على تصحيح بواطن الخلل، ويجعل من عمل هذه المنظمات الدولية العمل بسلاسة ويسر، وهو ما يستدعي تقديم أدلة لتطبيق إجراءات رادعة بحق كل من يمانع عمل هذه المنظمات أو يعرقل عملها حتى تكون فاعلة لاسيما فى القضايا الاغاثية والانسانية.

محاضر في اتحاد الجامعات الدولي والاتحاد الأمريكي للتعليم لتخصص دبلوم القانون الدولي و دبلوماسية المنظمات الدولية