المنشار في حياتنا … معضلة التأمين الصحي في الاردن د. اسامة المجالي

 

لسنوات عملتُ في عدة شركات تأمين كمستشار طبي ، وأدركت أهمية شركات التأمين في تقديم الخدمة الطبية للمواطنين المشتركين بهذه الخدمة ، حيث أنها تعمل كوسيط ما بين العملاء ” المرضى ” ومقدمي الخدمة ” المستشفيات ، الأطباء ، الصيدليات وبقية الجهات التي تقدم الخدمة الطبية ” وبالتالي فإن هذا الجسر هو معبر إجباري للجميع مما يعطيه أهمية وقيمة ربما أكثر مما ينبغي ، لذلك يظهر للعيان في كثير من المواقف أهمية الدور الرقابي للدولة لتنظيم العملية وتعارضها ما بين الأطراف المشاركة في العملية التأمينية ، لكبح ولجم جماح هذه الشركات الرأسمالية التي تقف على باب هذا الجسر والتي تمنح لنفسها الحق بالسماح بالمرور لمن تشاء وترمي عن الجسر – حرفياً – من لا تشاء ، فمثلاً كلنا سمع بشركات تأمين كبرى أفلست ورمت من قدّم الخدمات لمنتفعيها من جهاتٍ طبيةٍ إلى مهاوي الخسارة الفادحة والإفلاس حتى ، أو تجرع الخسارة والغُلب ثم السكوت إن كنت من الجهات الطبية الصغيرة ، كما سمعنا عن معاناة نقابة الأطباء وكل الجمعية الطبية في الاردن في فرض تسعيرتهم المعدّلة بعد مرور ١٦ عاماً على لائحة أجورهم القديمة بالعام ” ٢٠٠٨ ” حيث أن الجهات الطبية بالقطاع الخاص مضطرة كعقد إذعان للتعامل مع شركات التأمين بلوائح أسعار بعضها من القرن الماضي بينما لا تتوانى نفس شركات التأمين على رفع اسعار خدماتها عاماً بعد عام ، وأخيراً بهذا الصدد فإنني كطبيب أستمع دونما توقف إلى معاناة المرضى في الاستفادة من خدمات الشركات التى تغطي خدمتهم الطبية ، من تقليص العلاجات الموصوفة بعشرات الحجج المقبولة والغير مقبولة وكذلك الاجراءات الاخرى كالمختبرات وصور الاشعة الموصوفة وسواها كجزء من العملية التشخيصية الضرورية وهكذا يمضي الحال مع المراجعين بمعاناة لا تنتهي للتواصل مع موظف شركة التأمين على الطرف الآخر من الهاتف والذي يرى ويظن ان الاجراء المطلوب ليس ضرورياً أو أنه غير مناسب للحالة حسب رأيه ، وللعلم فقط فإن من يفتي ليس طبيباً أخصائيا وأحياناً ليس طبيباً حتى ، والأدهى والأمر أن المرضى عندما يراجعون الشركة وبعد أخذٍ وردٍ وصياح ربما ووسطات من هنا وهناك سرعان من يتغير رأي الموظف إياه ويسمح بالعلاج أو الاجراء .
مزاجية غريبة تتحكم بواحدة من اهم متطلبات الحياة الكريمة ، والمزعج فيها لدى التدقيق في معايير الرفض والقبول للعلاجات والإجراءات الطبية ، أن الحَكَم ( لدى موظف شركة التأمين ) هو التوفير على شركته مستخدماً أي شبهةٍ للرفض ، الرفض لأجل الربح وليس منطقية الإجراء أو مقدار حاجة المريض إليه أو مراعاة المعايير الصحية والطبية التي تحقق الفائدة للمريض ولا مانع لديهم من قطع العلاج بمنتصف الطريق أو حتى إيقاف تغطيته وهو بالعناية المركزة او بغرفة العمليات كما ذكر لي أحد المرضى ، هذا التمادي يتكرر ويتكرر لدى المراجعين دون أن يكون هناك آليات فاعلة لدى المراجعين لمقاضاة هذه الشركات الكبرى بأقسامها القانونية الكبيرة ، مما يُصعّب محاسبتها ومتابعة إجراءتها وتعليماتها – التي تسبب الضرر الفادح في حالات كثيرة – ويبقى المنتفع – المواطن – هو الطرف الأضعف بهذه المعادلة خوفاً من اقصاءه والغاء تأمينه أو تغريمه الإجراءات .
ولهذا كله يكثر التلفّت والبحث عن حامٍ في مثل هذه الحالات ولا أجد غير الحكومة كجهة رقابية لضبط هذه العملية عن طريق استحداث خط تلفوني خاص بطوارئ وشكاوي التأمينات الخاصة مثلاً كي تحمي الجهة الأضعف فيها وهو المواطن والمؤمّن وحتى صغار مقدمي الخدمة ، وفي انتظار ذلك ما علينا إلا أن نتحلّى بالصبر على الألم والعجز وقلّة الحيلة .