يعتبر قانون الجرائم الإلكترونية من القوانين الناظمة للحياة العامة كونه يقوم بوضع الأطر الناظمه لحرية التعبير الإعلامية تماما كما يعمل قانون الاجتماعات العامة بالحالة الوجاهية، وهذا ما يجعل من “روح ونص” هذا القانون أداة ضابطة لكيفية بيان الرأي وآليات الإفصاح عنه وكذلك للعملية التبادلية عبر المواقع الإلكترونية، كما يشكل هذا القانون بمضمونه أداة تحصين تحمي المستهدف من عمليات التشكيك والاتهامية ومن مناخات اغتيال الشخصية، كيف لا وهو الذي يضع الخطوط العامة لثقافة المحتوى وكما يبين الخطوط المعرفية لوسيلة التعبير ويظهر المسارات الملائمة لثقافة المحتوى الذي “يراد اظهارها وبيان ماهيتها وجوانب تقديرها”.
وهذا ما يجعل من قانون الجرائم الإلكترونية احد روافع ثقافة المحتوى للحياة العامة، كما يشكل إطاره العام اداه ضابطه لعوامله المتفاعلة بين “منصة الاطلاق و حركة التفاعل وحاضنه الاستهداف، إضافة للعامل الآخر الذي يخص بيئة المحتوى”، الأمر الذي يجعل من هذا القانون وسيلة ثقافية يمكن استثمارها عبر المحتوى الثقافي العام بهدف إعادة صياغته عبر جمله التواصل غير المباشر لتكون استفهامية قبل ما تكون استنكارية وتشكل لغة تعليلية قبل ما تشكل عناوين اتهامية، بما يسمح بتقديم الخبر من دون جملة مبتدأ لئلا يصبح المحتوى فى المحصلة يحمل مضمون مجزوء وارد من بيان حالة انطباعية وليس متشكل عبر قوام نتائج للحقيقة الموضوعية التي يمكن البناء عليها باتخاذ قرار وتشكيل موقف عام.
ولأهمية هذا القانون فى بيان حواضن التأثير كما في عملية تقييم ميزان الحريات فإن طريقة اظهاره يجب أن تشكل الصورة الحقيقية لميزان التعبير في الأردن، باعتباره أداة قياس لحالة الحريات والتأثير لهذا القانون بشكل مباشر على مضمون بيان الرأي، وهذا ما يعطيه أهمية على كافة الأصعدة السياسية وجوانب الحياة العامة الاجتماعية.
فلقد أظهرت الدراسة الموضوعية بطابع جلي التي قام بها الاستاذ الدكتور كامل السعيد في كتابه الذي حمل عنوان “شرح قانون الجرائم الإلكترونية” أهمية إعادة توظيف المواد الخاصة بجريمة الأخبار الكاذبة، وكذلك الخاصة بإطلاق الشائعات وترويج الأخبار المضللة وآلية نقل الاخبار وتواترها، هذا اضافة الى مادة جريمة اغتيال الشخصية بالاظهار والادعاء، وكذلك المادة الخاصة بإثارة النعرات والفتن، وهي جميعها مواد بحاجة لإعادة صياغة وتحديد وظيفى حتى لا يبقى باب الاجتهاد فيها واسع وفضفاض، كونها جميعها جاءت في متن هذا القانون بشكل غير محدد حتى لا يسمح عبر مساحاته الواسعة بالغلو على النص أو التمادي بالاجتهاد على روح القانون والدستور نتيجة عناوينها الفضفاضة التي جاءت بغير محددات واضحة كان يستوجبها أمر إطار محتوى البيان، لكون هذا القانون جاء لتحديد مساحة الحريات بسقوفها ولا يفترض به أن يضبطها ويجعلها غير منسجمة مع ما تشهده الساحة الأردنية من وسائل تعبير أعلى سقف من القانون بكثير.
الأمر الذي يجعل من هذه المواد فى متن هذا القانون بحاجة لإعادة صياغة تحسن إعادة توظيف الاحتكام عبرها بما يبعدها عن الأحكام الطيباوية التي تأخذ بزاوية القياس المجردة من دون بيان البيئة المحيطة للاصدار، ومن دون مراعاة للشخصية العامة التي هي جزءا منها فى بيان الواقعة كما مضمون سياساته وهى الشخصية التى تعتبر جزءا من الحياة العامة، وهذا من المفترض أن يجعلها تشكل أداة فاعلة وليس حالة مصانة في ظل حواضن مناخات القبول بالنقد وتقبل الرأي الآخر.
وهو الاستدلال الذى من المهم بيانه ضمن المرجعيات الدستورية حتى لا يبقى هذا القانون يحمل في مضمونه شبهة دستورية، ولا تشكل مرجعياته و أوامر ضوابطه عقيدة اتهامية تبعد المواطن عن المشاركة بسبب البيئة النافرة في ظل روادع هذا القانون غير المنسجمة مع ما تبينه الاردن بالواقع من حريات حتى يصبح قادر على دعم حالات التفاعل الطبيعي مع السياسات العامة للدولة لتحقيق أهداف المشاركة المنشود.
فالقانون يجب أن يبقى حالة انطباعية يشكل أداة معيقة تجاه المواطنة التشاركية التي يراد تهذيبها ولا يراد كبتها، ويعمل على تثقيفها وإيجاد بحور توظيف الجميع تجاه مسيرة البناء الوطنى التى من المهم أن لا يسمح بقطعها بل بتأصيلها عبر ربط روابط صلات التواصل فى خيوطها، بما يفيد بتعزيز عملية التفاعل والمشاركة التى يحرص عليها الملك عبدالله ويعمل على تجذيرها بالوعاء الوطني كونه راعي الدستور والمحافظ الرئيس على مناخات الحريات والحياة التعددية ومنهجها الديمقراطي وهو الملك القائد الذي يعتبر الحريات كما الديمقراطية أحد أهم منجزاته في اليوبيل الفضي الذي نحتفل باعياده هذا العام.
ولهذه الأسباب الموجبة التى جاءت بها دراسة الدكتور كامل السعيد عبر كتابه الذي يحمل عنوان “شرح قانون الجرائم الإلكترونية” ومن أجل الحفاظ على صورة الأردن الديمقراطي بالحريات، فان اعادة ترسيم جديد لهذا القانون يصبح ضرورة حتى ينسجم مضمون الاردن العالى بمستوى الحريات مع قانون الجرائم الإلكترونية الذي جاء أقل من الواقع المعاش والطموحات المنشودة، و حتى لا يبقى ميزان التقييم مختلا بين ما قدمه الأردن من انجاز بالحريات وما تتضمنه القوانين الناظمة من صياغات، حتى يتم وضع الأردن في الميزان الذى تستحقه فى قياس الديمقراطية والحريات، وإلى حين يتم إعادة صياغة القانون ليمضي بالاتجاه الذي جاء به الدستور من نصوصه التي تقوم على روح القانون ولا تستند لنصوصه فحسب، فإن العمل لإعادة صياغة هذا القانون يستلزم البيان سيما أننا نتعامل مع مناخات من الحرية شكلت فيها الأردن وعاصمتها عمان الدولة العربية الأكثر تفاعلا مع القضية المركزية وسمائها الأكثر سقفا فى مساحة التفاعل .
وهذا ما يجعلنا نلتمس العفو من ولي الأمر عبر قانون عفو عام يحظى فيه جميع مُداني الرأي عناية ملكية خاصة تتوخاها لتكون من جلالة الملك مع افتتاح الدورة البرلمانية لهذا العام، وهي الدورة التي تنعقد ضمن احتفالات المملكة باليوبيل الفضي وصولا لليوبيل الذهبي الذي نرجو ان يهل علينا وقد حقق الأردن في عهد جلالة الملك المعزز ما يصبوا إليه من إنجازات ومنجزات عبر رسالة البناء الوطني وقيمها التي تقوم على قيم التسامح والعفو.