عطا زويدي يكتب: «مجنون» في زمن «العقلاء»!! قناة الغد فلسطين غزة لبنان إيران alghadtv

عاش رجل.. قالوا عنه إنه «مجنون في زمن العقلاء».. كان مختلفًا عنهم.. يرى ما لا يراه الآخرون، ويفعل ما يعتقد أنه صواب، مسلحًا بإيمانه بحقوق شعبه وعدالة قضيته. في نظرهم كان مجنونًا لأنه تحدى الأعراف وفكر خارج الصندوق، فكان الرجل العقلاني في زمن ساد فيه جنون الفشل والتراجع.

أوُكِل إلى هذا «المجنون» ما كان ينبغي لحكماء زمانه أن يحموه، لكنهم تخلوا عن غزة وأطفالها، ولم يفعلوا شيئًا لوقف المجازر المتوالية، ولم يكسروا حصار الحياة في القطاع. وبينما وقف هؤلاء الحكماء متفرجين، اتهموه بالإجرام، ليس لفشله، بل لما اعتبروه جنونًا.

اسم السنوار سيبقى محفورًا في ذاكرة الأجيال، ليس فقط بين أبناء شعبه، بل بين العرب وكل أحرار العالم.

كان وطنيًّا بامتياز. ولم يكن حزبيًّا ضيق الأفق. لذا كان حضوره وصعوده مزعجًا لكثيرين تمنوا موته، لأنهم لم يحتملوا رؤية رجل يضحي بثروة ومجد حزبه وحياته الشخصية، على حساب دماء الشعب وقوته على مدى سبعة عشر عاماً.

اختار هذا «المجنون» تدمير تلك المصالح الشخصية والحزبية والجهوية، مدافعًا عن حقوق الشعب وكرامته، واتهموه بتدمير شعبه وحزبه، في وقت كان فيه حكماء هذا الشعب يهدرون كرامتهم وتضحياتهم، عندما فشلوا في التوحد في لقاءات المصالحة الفاشلة التي جرت في عواصم العرب وغيرها.

في لقاء واحد، حقق السنوار في العام 2016 المصالحة الداخلية الأهم مع أهم الخصوم السياسيين، وخاطر بتدمير رواية حركته، وأسقط خطاب الخيانة والعداء الداخلي، مُسلّحًا برؤية وطنية بحتة تجاوزت حدود الفصائل، وتجاوزت حدود التعبئة الفصائلية.

في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، نجح القائد الذي تحول إلى رمز في نشر وإحياء الفخر الوطني، واستعادة الوحدة الوطنية التي عبر عنها الفلسطينيون من كل الاتجاهات بالالتفاف حول المقاومة في دولتها الغزية، بالفعل وليس بالقول. طرق السنوار جدران الدبابة، فكسر الصمت وكشف عن «أبو الخيزران».

وكان قريبًا من توحيد الصف الفلسطيني، لولا عناد من يريدون الانقسام ويستفيدون منه.

واجه هذا «المجنون» الاحتلال وعدوانه، كما واجه الغدر والجبن المغلف بعباءة العقلانية الزائفة، وكان صادقًا ومخلصًا في زمن الخيانة والانهيار.

رحل عن عالمنا بطل فريد في شجاعته وعبقريته، لم يكن هدفًا سهلًا، فقد كان يرتدي قناعًا حتى في أصعب اللحظات، مما جعل القبض عليه حيًّا حلمًا بعيد المنال. لقد حرم باستشهاده مقاتلاً، العدو من نشوة الرصاصة والصورة الإسرائيلية المرغوبة، من أسره أو قتله في نفق.

إنه حقًا عالَم عقلاني ومهزوم، ولذلك فمن المناسب لنا أن نقدس الجنون هذا الجنون الوطني الطاغي الذي هو عكس خطاب الهزيمة.