بإعلان حزب جبهة العمل الإسلامي السريع أن عملية البحر الميت عمل فردي، وليس توجها تنظيميا طوقت أزمة كان يمكن أن تتفاقم أكثر، وقطعت الطريق على “المراهقين السياسيين” الذين يعتقدون أن فوزهم في الانتخابات قد يُعطيهم الحق في تغيير قواعد اللعبة السياسية في الأردن.
أحسن العقلاء في جبهة العمل الإسلامي في التحرك السريع لمنع الصدام مع الدولة، فقرار الحرب والسلم بيد الدولة وحدها، وهذا أمر محسوم، وليس محل نقاش، وليس لحزب سياسي مهما كانت هويته أن يخرج عن إرادة الدولة، وقرارها.
كل الأردنيين مع فلسطين، ومع مقاومة المحتل، ويتمنون لو كانت هناك إرادة عربية موحدة لمواجهة الاحتلال ودحره عسكريا، ومنذ بدء حرب الإبادة على غزة، كان وما يزال الموقف الأردني متقدما في إسناد غزة، وبقي صوت وزير خارجيتنا، أيمن الصفدي، حالة متفردة في فضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي في المنابر الدولية، وكان قادرا على كشف زيف السرديات الصهيونية.
رغم مرور أكثر من عام على العدوان على غزة فإن الجبهة الداخلية في البلاد ظلت موحدة، والهوامش التي توفرت للناس للتعبير عن موقفهم الرافض للعدوان كانت مقبولة، والجميع كان متيقظا، ومدركا أن إسرائيل تريد أن تفتعل أزمات مع الأردن – الشوكة في حلقهم – ، ولهذا كان التماسك المجتمعي، والتماهي في الموقف الرسمي والشعبي سر قوة هذا البلد، ومنعته في مواجهة المؤامرات.
بعد أن تراجع تنظيم الإخوان المسلمين خطوة إلى الوراء بعد تصريحات شعبوية، متهورة، وفهموا أن استدرار عواطف الناس، لا يمكن أن يكون على حساب الأمن الوطني، أو المساس به، فإن المطلوب أن تبدأ ورشة عمل وطنية لبناء تفاهمات في آليات المواجهة للعدوان الإسرائيلي، تشارك بها كل الأحزاب، والقوى المجتمعية الفاعلة، وفيها تُفرد الأوراق، وتُناقش السيناريوهات، وتحدد كل الخطوط الخضراء، والحمراء، ويقرأ المشهد بكل تفاصيله سياسيا، وعسكريا، وأمنيا.
ربما كان ذلك ضروريا قبل عملية البحر الميت، ولكن أصبح الأمر الآن أكثر إلحاحا بعد التصعيد العسكري في المنطقة، وربما تزيد الحاجة بعد تشكيل الحكومة بقيادة الدكتور جعفر حسان، وانتخاب برلمان جديد، ويستطيع الديوان الملكي الهاشمي مظلة الجميع أن يقود الحوار لإنتاج ميثاق وطني جديد، يجيب على أسئلة نحن أحوج إلى التوافق عليها، وحسمها، ومن ذلك كيف يمكن أن نتعامل مع خطر التهجير لفلسطينيي الضفة الغربية إلى الاردن الذي تُجاهر وتُخطط له حكومة نتنياهو الصهيونية المتطرفة؟
في كل استطلاعات الرأي ظلت مؤسستا الجيش والأمن محط ثقة الأردنيين، وخارج التجاذبات، والشطط في التشبه في تجارب إقليمية في المنطقة، تكون فيها للأحزاب مليشيات، وعتاد، وصوت يعلو على صوت الدولة خط أحمر، لن يقبله، ولن يسكت عليه أي أردني.
المهم أن نتعلم ونستفيد من الأخطاء التي ترتكب في الممارسة السياسية الميدانية، وأن لا تكون فقط فرصة لتصفية الحسابات، وتهشيم جبهتنا الداخلية في مكاسرة لا يربح منها أحد.
تحدث دولة رئيس الوزراء، الدكتور جعفر حسان، وأكد عدم السماح بالتجاوز على القانون، مشيرا أن الأردن لن يكون مسرحا للفوضى والعبث، وهنا انتهى الكلام بوضوح، وليُغلق الملف.
الغد