د. محمد أبو حمور
تشير البيانات الصادرة عن وزارة المالية للشهور الثمانية الأولى من هذا العام الى مواصلة الجهود الإصلاحية الهادفة الى التأقلم مع مجمل التطورات الاقتصادية والجيوسياسية التي تشهدها المنطقة.
وفي التفاصيل فقد ارتفعت الإيرادات العامة للحكومة المركزية بما نسبته 2.4%، لتبلغ حوالي 6052 مليون دينار، وساهم بذلك ارتفاع الإيرادات المحلية بحوالي 1.7% وارتفاع المنح بما نسبته 119% مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق.
أما جانب النفقات العامة فقد بلغ 7291 مليون دينار وبزيادة نسبتها 3.7%، ويلاحظ أن النفقات الجارية ارتفعت بنسبة 5.5%، أما النفقات الرأسمالية فقد انخفضت بنسبة 11.7%، وفي ضوء ذلك فقد بلغ العجز بعد المنح ما يقارب 1.3 مليار دينار، أي ما نسبته 5.3% من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع 5.1% في العام السابق.
أما اجمالي الدين العام فقد بلغ أكثر من 43.3 مليار دينار وزادت نسبته الى الناتج المحلي الإجمالي عن 116%، وبلغت مدفوعات الفوائد حوالي 1493 مليون دينار.
ووفق البيانات المشار اليها أعلاه فقد بلغت نسبة تغطية الإيرادات المحلية للنفقات الجارية حوالي 89.8%، ولعل ما يثير القلق هو استمرار نسب النمو المرتفعة للنفقات الجارية والتي تفوق نسب نمو الإيرادات المحلية والعامة، في الوقت الذي تتراجع فيه النفقات الرأسمالية، حيث النفقات الجارية كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي ارتفعت بنقطة مئوية واحدة مقارنة بالعام الماضي وتراجعت النفقات الرأسمالية بأكثر من نقطة مئوية مقارنة بالعام السابق، وهذا الامر لا يقتصر على الحكومة المركزية، فنفقات الحكومة العامة ارتفعت ايضاً في الجانب الجاري بنسبة 5.8%، وتراجعت النفقات الرأسمالية بنسبة 10.6%.
أما مدفوعات الفوائد فهي تشكل نسبة كبيرة من الإيرادات المحلية تبلغ حوالي 24%، وفي هذا السياق أشارت دراسة للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الى أن فوائد الدين العام في الأردن تعادل نسبة 127% من الانفاق على التعليم، ونسبة 120% من الانفاق على الصحة.
هذه المؤشرات وان كانت أولية الا انها تتطلب عناية فائقة وإجراءات حازمة تساعد في تحسين الأداء وذلك عبر الاستمرار في نهج الإصلاح الاقتصادي وخاصة ما يتعلق بجانب النفقات، من خلال السعي لتقليص نسب الزيادة في النفقات الجارية وضرورة توفير مصادر تمويل مناسبة للنفقات الرأسمالية التي تشكل رافعة أساسية للنمو الاقتصادي وتوليد فرص العمل.
ومن المفهوم أن الظروف الراهنة قد لا تساعد على توفير حلول جذرية الا أن توفر توجه واضح يسعى لتحقيق هذه الغاية ضرورة لا بد منها، وفي هذا السياق من المهم العمل بجدية ضمن البدائل المتاحة بما في ذلك مشاريع الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ومواصلة تحسين البيئة الاستثمارية وبيئة الاعمال بما يساعد في تحفيز وجذب مزيد من استثمارات القطاع الخاص وبذل الجهود التي تمكن القطاعات الإنتاجية المحلية من تخفيض كلفة المنتج المحلي وتحسين نوعيته وتمكينه من رفع قدرته على المنافسة محلياً وخارجياً، كما أن السعي لتنفيذ برامج وأولويات رؤية التحديث الاقتصادي وتحديث القطاع العام تشكل أيضاً مساهمة هامة في هذا الاطار.