أزمة النزوح اللبناني والاستجابة الدولية  

 

 

زياد الرفاتي

تتصاعد وتتواصل التوترات  والمخاطر الجيوسياسية  مع أخطر تصعيد  في  المنطقة  منذ عقود  وتمتد  الى لبنان   وما تسببه من تهديدات  للمعابر البرية والممرات  المائية  و سلاسل الامداد والتوريد والشحن الخارجي الذي لم يسلم من التأثيرات بقطاعاته  الثلاث البري  باغلاق معابر  حدودية حيوية  ، والبحري بالاضطرابات التي تسود البحر الأحمر واستهداف سفن وتأثر  حركة الشحن ، والجوي بتعليق معظم شركات الطيران رحلاتها الى لبنان واسرائيل وايران وسلوكها  ممرات جوية أبعد للوصول الى وجهتها المقصودة لدول االشرق الأوسط .

وكان اخر التهديدات اغلاق معبر المصنع الحدودي الرسمي  بين لبنان وسوريا وعدم قابليته للاستخدام نتيجة القصف الجوي الاسرائيلي  له تحت ذريعة استخدامه في نقل الأسلحة الى لبنان  مع النفي اللبناني لهذه المزاعم ، وقد حرم اغلاقه أيضا دخول النازحين  اللبنانيين الى سوريا وتوقف حركة الشحن البري بين البلدين وعدم قدرة المزارعين اللبنانيين على توريد  منتجاتهم  الزراعية الى سوريا  ودول أخرى وتكدسها وتعرضهم للخسارة بالتزامن مع الأزمة الاقتصادية والمعيشية في لبنان .

وقد اضطرت  شاحنات  من والى لبنان على تحويل مسارها الى معابر برية غير رسمية مع سوريا وهي البلد العربي الوحيد التي  يرتبط لبنان معها بحدود برية للدخول أو الخروج  من  لبنان وما يترتب عليه من  مخاطر وكلفة  مرتفعة ، وخرج  عن الخدمة  في الخامس والعشرين من الشهر الحالي  معبر حدودي ثان أساسي للنقل البري بين لبنان وسوريا   وقطع الطريق على الشاحنات التي تنقل المنتوجات الزراعية اللبنانية الى سوريا والدول المجاورة والخليج العربي  نتيجة القصف الجوي الاسرائيلي  له . 

وقد بلغ عدد النازحين منذ بدء العدوان على لبنان 1،6 مليون شخص حسب  مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة  منهم 500 ألف نازح  حتى الان عبروا الحدود الى سوريا  يقيمون  في مراكز ايواء 70% منهم  لاجئون سوريون  ،  وأن 77% من مدارس لبنان تحولت الى  ملاجئ ومراكز ايواء ، ويواجه النازحون  خطر انتشار الأوبئة والأمراض المعدية واحتياجاتهم  الى السكن والغذاء والدواء والوقود مع قصف اسرائيلي  ممنهج  لمخيمات اللجوء  واستهداف مباشر للقطاع الصحي والطواقم  الطبية والاسعافية والمستشفيات  حيث خرج 13 مستشغى عن الخدمة حيث  أن الوضع الاقتصادي المتدهور ينعكس على وضع المستشفيات .

ويكشف النزوح في لبنان عن فاتورة اقتصادية مكلفة لدعم النازحين وتواجه المفوضية فجوة تمويلية ضخمة حيث 38% فقط  من احتياجات التمويل  تمت تغطيتها ، وقد أشار وزير البيئة اللبناني  أن البلد تحتاج  الى 250 مليون دولار شهريا للتعامل مع أزمة النزوح ، فيما أعلن رئيس الوزراء اللبناني أن من  يضمن عودة النازحين الى منازلهم  هو تطبيق الفرار الأممي رقم 1701 الصادر عام 2006 والذي لم يطبق منذ 18عاما  و ينص على  نشر الجيش اللبناني وقوات الأمم المتحدة ( اليونيفيل ) في الجنوب اللبناني اللذان يتعرضان حاليا للقصف المتعمد  وتعتبر الأمم المتحدة أن قصف قواتها يخالف القانون الدولي .

وعقد في الرابع والعشرين من الشهر الجاري مؤتمرا دوليا في باريس  لدعم لبنان دعت اليه فرنسا  شارك فيه      70 دولة ومنظمة دولية وحضور رسمي أردني ممثلا بوزير الخارجية ، تمخضت مخرجاته عن تعهدات دولية بتقديم مليار دولار الى لبنان تتوزع بين 800 مليون دولار على شكل مساعدات انسانية  منها 100 مليون يورو التزمت بها فرنسا  والعمل على استكمال لبنان للمؤسسات الدستورية  وحل الشغور الرئاسي ، ومبلغ 200 مليون دولار  امدادات أساسية للجيش اللبناني  باعتباره لديه مهمة كبيرة الان أكثر من أي وقت مضى  مع مساع لتجنيد وتدريب وحدات جديدة بالجيش  اللبناني ،  فيما  التزم  الاتحاد الأوروبي  بتقديم مبلغ  20 مليون يورو في 2024 و40 مليونا في 2025  وتحدث عن |” سباق مع الزمن ” في لبنان لتجنب توسع النزاع  وأن التصعيد في المنطقة أخذ شكلا جديدا وغير مسبوق .  

وتدور رهانات على السندات الحكومية اللبنانية ورفعتها لأعلى مستوى في عامين بفعل المخاطرة المرتفعة لحامليها  من مؤسسات وأفراد  وصناديق استثمارية  والصادرة  بخصم اصدار ،  وتقوم الصناديق الاستثمارية بشراء السندات اللبنانية في الوقت الراهن لتعزيز موقفها التفاوضي مع الحكومة اللبنانية بعد انتهاء الحرب حيث يتوقع أن تقوم الحكومة بمفاوضة حاملي السندات لاعادة هيكلتها ولا سيما سندات اليورو بوند  .

 ويرى البعض أن الحرب قد يكون لها أثرا ايجابيا على الاقتصاد اللبناني ، من حيث تدفق المساعدات الخارجية         لتساهم في الخروج من أزمتها الاقتصادية واحياء الاصلاحات .

 

وقد أعلنت مجموعة العمل الدولية في ختام اجتماعاتها الدورية  التي عقدت بباريس في الخامس والعشرين من الشهر الجاري عن ادراج لبنان ضمن القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي الخاصة بمكافحة الجرائم المالية  بعدما خرج منها  قبل 22 عاما في عام 2002 وهي قائمة الدول غير المتعاونة كفاية في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الارهاب ، وهو مطالب بتنفيذ العديد  من الاجراءات التي من شأنها المساعدة في اخراجه من القائمة .

وقد استندت المجموعة الى ثلاثة أسباب رئيسية لوضع لبنان على القائمة الرمادية  ، وهي كما يلي :-

  • عدم صدور أحكام قضائية بحق متهمين بقضايا تهريب وغسل أموال ، وعلى رأس هذه القضايا ما يتعلق بحاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة الموقوف حاليا في لبنان .
  • عدم تنفيذ اصلاحات تم التعهد بها من قبل الدولة اللبنانية ، وفقدان العمل المؤسساتي العام نتيجة شغور منصب رئيس الجمهورية والحكومة الحالية لا تزال حكومة تصريف أعمال ، بالاضافة الى حرب اسرائيل على لبنان . 
  • ملفات التهرب الجمركي في اشارة الى المعابر الحدودية مع سوريا غير الشرعية ، وهي الدولة العربية الوحيدة التي تحيط بلبنان .

 

وقد عقب رئيس الحكومة اللبنانية على قرار الادراج بقوله ، أنها خطوة متوقعة نظرا للظروف  المعروفة التي أعاقت اقرار التشريعات والاصلاحات المالية المطلوبة .

وفي العراق وصل أراضيها نازحون لبنانيون عبر سوريا  عددهم  22 ألف  منذ الثالث والعشرين من أيلول الماضي حسب الأونروا  مع توقعات الهلال الأحمر العراقي تدفق عشرات الاف اللبنانيين الى العراق ، وقد استبدلت الحكومة العراقية تسمية النازحين اللبنانيين بعبارة ضيوف العراق  وأقرت تخصيص  مليوني  دولار لوزارة الهجرة والمهجرين العراقية  لدعم الضيوف اللبنانيين  ومواكبة تدفقهم اليها وستقيم الحكومة عمليات الانفاق لدعم النازحين وتخصيص المزيد من النفقات ، وتسعى  ادارات محلية  في العراق لتشغيل وتعيين اللبنانيين حسب تخصصاتهم  بصفة عقود ، وأعفتهم  جامعات عراقية  من رسوم  الدراسة للعام الحالي ، فيما تعمل وزارة النفط العراقية على تأمين وصول امدادات الوقود الى لبنان   .

 

 

 

 

 

 

 

 

.

.