“نون للكتاب” تتأمل “عزاءات المنفى” للأديب تيسير أبو عودة

.
عقدت “مبادرة نون للكتاب” في مكتبة عبد الحميد شومان، جبل عمّان، مساء يوم السبت الموافق (٢٦ تشرين أول/ أكتوبر ٢٠٢٤)،
جلستها الثالثة والعشرين التي استضافت فيها الأديب والمترجم د. تيسير أبو عودة، وناقشت كتابه “عزاءات المنفى”. قدمت الناقدة ابتسام الحسبان قراءة نقدية وازنة وناضجة للكتاب، وقامت الكاتبة حنين نصار بتقديم نبذة عن سيرة المشاركين الرئيسيين. أدار المناقشة الكاتب أسيد الحوتري.

تطرّقت الحسبان في ورقتها النقدية لتحليل عتبات النص في الكتاب ودلالات المنفى وظلاله السردية والثقافية. وأوضحت الناقدة أن الكتاب يحتوي على (١٢٧) نصا مخاتلا عصيا على التجنيس. وأن الكاتب تنقل برشاقة متناهية بين المكان والزمان مُطعِّما كتاباته بتناص مكثف من شتى المناهل. كما عرّجت الحسبان على العلامات السيميائية محللة الاستعارة المركزية للون الأزرق الذي لم يفصح عن نفسه بصورة مباشرة. وانتقلت بعد ذلك إلى تعدد الهويات والذوات، وأشارت إلى النصوص التي تطرقت إلى السلطة الأبوية، مثل: سارة بنت الريح، وشهرزاد لم تكن تاريخا، وخرائط الموت؛ وتطرقت لبعض النصوص التي يتقاطع فيها السياسي بالجمالي مثل نص: شبح في رام الله، ومعجم الضحية، ومدينة إنديانا، وشبح الهنود الحمر.

ابتدأ بعد ذلك النقاش، ودار في محورين رئيسيين: الأول، ماهية المنفى كما قدمها الكاتب. خلص الحضور إلى أن للمنفى أشكال عدة طرحها الكتاب منها: المنفى الواقعي الذي يخرج فيه المرء من وطنه قسرا ويمنع من العودة إليه. والمنفى المجازي والمتخيل، وهو شعور المرء بالاغتراب في وطنه. أو هو الاغتراب الوجودي والفكري عن الوضع الراهن. أما المنفى المركب فهو مزيج من الإبعاد القسري وشعور المرء بالغربة واللاانتماء في أسرته المنفية معه. كما ذكر الكاتب صفات المنفى السلبي والمتمثل في مشاعر الشوق والحنين والعجز والضعف والاتكاء على الماضي وعقده التي لا تنتهي. وقدم أيضا منفى إيجابيا مشرقا وخلّاقا يتجلّى في تعدد الهويات وانفتاحها على الاختلاف والمعرفة والتأمل والتخييل، والتحرر من وهم القوميات، وخصوبة الخيال، وتجدد الانعتاق من الأيدولوجيات الضيقة، منفى يتحرر فيه المرء من ضيق الجغرافيا إلى سعة الكتابة والمعرفة، ويولد فيه مرات عديدة، وينتمي فيه لكل أفراد البشرية، ويحترم الاختلاف الديني والثقافي واللغوي، ويتكلم لغات جديدة. هكذا كان المنفى الإيجابي خال من اللطميات والبكاء على الأطلال، وكان أشبه بحدائق تعج بمباهج الحياة ومسرات العمر، وأفق جديدة لمفهوم المكان والزمان والهوية.
كما ناقش الحضور المنفى الأول والذي هو خروج آدم وحواء من الوطن الأصلي: الجنة، وهبوطهما على الأرض، والتي هي أشبه بمنفى البشرية الراهن.

دار المحور الثاني حول المنفى والأجناس الأدبية. أوضح المتناقشون أن الرسالة التي يحملها الكاتب كانت من الأهمية بمكان أنه لم يكتف بجنس أدبي واحد، ربما لأن ماهية المنفى وعذاباته لا تقتصر على جنس أدبي بأم عينه؛ بل المنفى واسع الأفق يتكىء على أجناس أدبية متعددة: القصة، الخاطرة، القصة الومضة، المقالة، الشعر، القصيدة النثرية، ونصوص أخرى تستعصي على التجنيس على طريقة التوحيدي في وصفه تقاطع النثر بالشعر أو النثر بالنظم. كما أن تعدد الأجناس الأدبية في الكتاب يتناغم مع هوية المنفي/ الكاتب المتعددة. ولأن كل جنس أدبي له جمهوره، فقد خاطب “عزاءات المنفى” كل الأذواق، فأتباع الشعر يجدون فيه مؤنسا لهم، ومحبو القصة يجدونها في الكتاب، إلخ. وهكذا يكون الكاتب قد وصل إلى أكبر جمهور ممكن عبر تنوع الأجناس الأدبية، وغاية الوصول تقديم رسالة الكاتب التي يحملها في صدره. تنوع الأجناس الأدبية مع عدم تبويب الكتاب وفقا لها طبع الكتاب بطابع التشظي والذي يتماهى مع تجربة المنفى. كما أن الغموض الموجود في بعض النصوص والذي يجعل من الصعب تجنيسها أدبيا يعكس الغموض في هوية المنفي لكونها هوية متعددة وقابلة للتغير والانفتاح على تحولات كثيرة.
تخلل النقاش طرح مجموعة من الأسئلة قام أبو عودة بالإجابة عليها.

في نهاية الفعالية تم التوجه بالشكر لكل من شارك وساهم في إنجاح هذه الفعالية الأدبية وعلى رأسهم المضيف مؤسسة عبد الحميد شومان.