الآباء يأكلون الحصرم والأبناء يضرسون بقلم ناديا نوري

لفت انتباهي جملة قالها الإعلامي محمود سعد في لقاء تلفزيوني، عندما سألته المذيعة عمّا يتمنى، فأجاب: “أتمنى عودة أمي – رحمها الله – لأنها هي الحياة بالنسبة لي”. وعندما سألته عن والده، قال: “لم أتأثر بوفاته لأنه لم يكن مؤثراً في حياتي”. من باقي الحديث، فهمت أن والديه قد انفصلا، وهذا حقّ لهما، لكن الأمر غير المقبول هو أن والده تنصّل من مسؤولياته كأب، وترك والدته تتحمل المسؤولية كاملة!

دفعني هذا اللقاء للبحث في حالات الطلاق في مجتمعنا العربي، وللأسف، وجدت أن معظم حالات الطلاق عندما يكره الزوج زوجته لسبب ما، فإنه غالباً يكره أولاده منها تبعاً لذلك! وكأنهم ليسوا أبناءه الذين يحملون اسمه. أتعجب كيف يمكن لأب، مهما كان علمه أو مكانته، أن يتخلى عن دوره في تنشئة أبنائه، وكيف ينام مطمئن البال وابنه جائع أو مريض أو يعاني مشاكل نفسية. والأغرب أن بعض الآباء يتزوجون بامرأة أخرى، وهذا حقهم، ويرزقهم الله أبناء، فيسهرون على راحتهم ويبذلون جهدهم لتوفير حياة كريمة لهم، متناسين أبناءهم من الزواج السابق.

هل يُعقل أن يدفع الأبناء ثمن ذنب لم يقترفوه؟ هل يُعقل أن يكره الأب أبناءه بسبب كرهه لأمهم؟ هل يُعقل أن تتحول أسمى علاقة إنسانية بين الأب وابنه إلى كره وعقوق؟ وهل يُلام الابن العاق لأبيه دون النظر إلى أبٍ عاقٍ لأبنه؟ ألم يقل نبينا الكريم: “كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته”؟

ألا يتمنى كل أب أن يفتخر بنجاح ابنه؟ وهل يجوز له أن يشارك ابنه في فرحة الوصول وهو لم يكن بجانبه في بدايات الكفاح؟ كيف لنا أن نطمح لمجتمع سليم ونحن نعاني من اختلال في الميزان الأسري؟ وهل يجوز لنا أن نطالب امرأة تعاني من ظلم طليقها وتخلّيه عن واجبه الديني والمجتمعي تجاه أبنائهما، أن تربي أولادها على بر والدهم؟

علينا، كمجتمع يطمح لبناء جيل سليم، أن نتكاتف لنشر الوعي حول أهمية رابطة الدم، فهي أقوى من كل المشاكل الأسرية. ابنك هو جزء منك، حتى لو تخلى عنك الشريك أو ظلمك. دم ابنك هو دمك. وإذا اخترت إنهاء العلاقة الزوجية، فهذا حقك، لكن تخليك عن ابنك لا يبرر لك ذلك. كن على يقين أنك اليوم في قوتك وابنك في ضعفه، لكن غداً ستحتاج إلى دعمه، ولن تجده بجانبك إن لم تكن بجانبه عندما كان يحتاجك.