إدارة ترامب بنكهة البايلا ؛ د. حازم قشوع

هنالك طبخة اسبانية مشهورة، جاءت من رحم الحضارة الأندلسية نسبت للحكام العرب في شبه الجزيرة الأيبيرية، تحتوى على عدة أصناف غير منسجمة مع بعضها البعض، كونها جاءت من بقايا الأكل كما تتكون من ناتج لحوم واسماك ودجاج مخلوطا ببهارات عربية ورومانية واغريقية فى طبق واحد، وهذا ما جعلها متعددة النكهات غريبة المذاق، لكنها تحتوى على الوان جميله من دون هوية واضحة أو عنوان مبين، لاحتوائها على العديد من المركبات و لأن الوانها الجذابه الناتجة عن الخلطه جعلتها محبوبه، ويمكن قبولها نتيجة احتواءها على الشكل الذي جعل من مضمونها مقبول، إلى الدرجة التى أصبحت فيه بقايا الاكل تشكل عنوان المطبخ الرئيسي عند الأسبان بعنوان “البايلا”.

خلطه البايلا هذه نجدها حاضرة عند قراءة التشكيلة الجديدة للاداره الامريكيه، التى يجرى العمل على تشكيلها ضمن مقتطفات سيمفونية مأخوذة من مقطع اندلسي موصول براب معنون بالنوتة الخامسة، التي أضافها زرياب الأندلسي في تجلياته الموسيقية عندما كان يحدق بالعطايا ليقدم أصوات غريبة لكنها كانت فريدة، وهذا ما جعلها تميز هذا الحاضنة عن غيرها فى مجالس الطرب وعنوان الوصل، بين نقل المكتوب الى منطوق وترديده عبر مقامات حتى يسهل حفظها لغايات الانتشار ابتغاء لمشروعية القبول.

فبعد ترشيح ماركو روبيو، ابن كوبا اللاتيني لمنصب وزير الخارجية الذي يعرف بـ عدوانيته لإيران والصين، كما يعرف بموقفه الرافض لتقديم الدعم المطلق لأوكرانيا فى مجلس الشيوخ الذى هو عضوا فيه عن فلوريدا، فإن شغله لمنصب أمين عام الإدارة الأميركية، “وزير خارجية” يعنى فتح جسور التواصل مع موسكو ودعم إبرام صفقة مع روسيا، وهذا ما يعني بالمحصلة انتقال رابط الشراكة الأمريكية مع دول المركز، من مرتبة مشاركة عضويه الى مكانة شراكة بينية، وهو معطى مركزي سيكون له تأثير كبير على علاقة الولايات مع دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، لكنه يعنى فى المضمون العام أن الولايات المتحدة قد بدأت باتخاذ خطوات جدية تجاه التعددية القطبية في مسرح شمال العالم، بعد عملية التقليم لروسيا الاتحادية التى قامت بها إدارة الرئيس بايدن طيلة فترة حكمه، وهذا ما يعني أن سياسة الوزير روبيو جاءت ببيان سياسي جديد تقوم على تغيير وجه أمريكا و وجهتها القادمة.

وأما مايكل والتز الذى ترشح لمنصب مستشار الأمن القومي، فهو يعد أيضا من مناهضي استكمال الحرب الأوكرانية الروسية، وهو ابن الحرس الوطني وضابط استخبارات مختص في الشأن الصيني، لكنه كان قريب من الوزير رامسفيلد طيلة فترة حكمه فى حرب الخليج، وهذا ما يجعله قريب من الشأن الإيراني الى حد كبير، كما أنه معارض للانسحاب الأمريكي من أفغانستان، ويريد حوصلة الصين بإبرام صفقة مع إيران لقطع خط الوصل على خط الحرير الذى يعتبر الخط الاستراتيجي للصين، وهذا ما يجعله يصطدم الى حد جوهرى مع القياده المركزيه الوسطى سنتكوم.

وأما المرشحة تولسي كابارد لمنصب مديرة للاستخبارات، هنديه الاصل هندوسية الدين، المرتدة عن الحزب الديمقراطي، والمعروفة بـ عدوانيتها للرئيس التركي أردوغان، فهي تسعى لفك الرابط العضوي بين تركيا أردوغان وروسيا بوتين، للسيطرة على البحر الأسود من جديد، وهذا ما جعل أنقرة تقوم بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع اسرائيل نتيجة هذا الاختيار، لكونه يحمل تهديد مباشر للرئيس أردوغان ووزيره هاكان، الذى يعول عليه باستكمال مشروع الحزام الإسلامي المؤيد ايرانيا ومن العمق التركي في آسيا الوسطى، وهذا ما يضيف حجر جديد يحمل مضمون صاعق متفجر في قائمة الاختيارات للرئيس ترامب.

واما وزير الدفاع بيت هيجيست، الذى تم اختياره من طاقم فوكس نيوز، حيث كان يعمل مقدم برامج فهو لا يحظى بمكانة تؤهله لقيادة أكبر جيش فى العالم، على الرغم من كونه كان ضابط لكنه مغمور وستكون مهمته انتهاء عتاوله معسكر السلاح، وإقصاء كل الجنرالات التي كانت تقف فى عمق الدولة ضد تعميد الرئيس ترامب، وهذا ما سيجعل من الجيش يقف على خصومه ضد سياسة الرئيس ترامب بحلتها الجديدة، وهو أيضا ما يعتبر فى البيان العام بيان عدواني واضح.

وأما في الحواضن النقدية التى تعتبر من المرجعيات الثابتة، بروافع شركاتها الداعمة والراعية والتى كانت تدار ضمن ما يعرف علميا بالسياسة المالية، فهى ايضا معرضة لحاله اهتزاز أشبه لهزة أرضية، لانها معرضه للتبديل والتغيير مع ترشيح إيلون ماسك، الذي يحمل مشروع استبدال العملة الورقية بالعملة الافتراضية، وتغير مرجعيات التواصل والوصف في أنظمة البنوك المركزية عبر سيطرة اتحاد الكريبتو على المرجعية النقدية، عبر الصناديق السيادية التى يتم اختيارها لهذه الغاية لتكون بديلا فى المحصلة عن البنوك المركزية، وهذا ما يجعل من هذا المشروع يحمل تبعات لثورات نقديه بإحلال العملة الافتراضية بدلا عن العملة النقدية، ببيان الوصول إلى نسق الجيل الخامس، بالتعاطي مع العلوم المعرفية والصناعة المعرفية وما تحويه من اسقاطات فى الحواضن التعليمية.

وأما فى الجانب الصحي ؛ فذهب دونالد ترامب ليختار من سلالة العصب الحامل فى الحزب الديمقراطي، عندما اختار روبرت كينيدي جونير لمنصب وزير الصحة، المعروف بانتقاده الشديد لموضوع المطاعيم التي جاءت مع مناخات كورونا، والذي يعتبرها مؤامرة ضد الإنسانية، لكن هذا المنصب حصل عليه نتيجة صفقة كانت بينهما عندما أعلن انسحابه من الترشح الرئاسي لصالح دونالد ترامب فى المعركه الانتخابيه، وهذا ما يعني ضمنا أن المسارات الصحية وشركات الأدوية الكبرى ستكون هى ايضا فى مجال المناورة السياسية لدونالد ترامب، في إطار حربه مع بيت القرار وعمقه فى صناعات الأدوية، وهذا ما يجعل حجر آخر سيقوم على تفجيره فى حواضن بيت القرار الغائره.

ومما تقدم ؛ نستطيع القول أن برنامج الرئيس ترامب الليبرالي أشبه ما يكون أكثر يسارية من منهجية عمل أوباما وهاريس وحتى السيناتور بيرني ساندرز فى الجانب المعرفي، كما أنه غير متوافق مع ما يقف عليه الحزب الجمهوري من معاني مركزية منذ قيام أمريكا ونشأتها، كونه يقوم على أحداث ثورات في كل الجوانب العسكرية والأمنية في البولديزبيرغ، كما فى التحالفات المركزية لدول المركز وحلف شمال الأطلسي، كما النقدية منها فى حاضنه الشركات التى يقوم عليها الدولار بشقيه (الأمريكي والأوروبي)، وهو يعتمد بالشكل العام على أغلبيتة بالكابتول التى حصل عليها الحزب الجمهوري في غرفتي السنت والكونجرس.

لكنه مازال لا يقرأ جيدا كيف تدار الأمور في بيت القرار الأمريكي، وما هي منظومة الضوابط والموازين التي تقف عليها السياسه العامه للدوله حتى تجعله محب للبايلا، وإن كان لا يعرف أصل مذاقها، وما الذى يحضر له بعد التهام وجبته التي ستبدو له شهية، لكن قوامها سيكون مغايرا عما يشعر فيه بعد ذلك، هذا ما يقوله بعض المتابعين العارفين ببواطن الأمور وليس في ظواهرها، فإن زاد أعداءك وقل انصارك فى بيت القرار، فإن المآلات سينتج عنها نهايات تحمل صفة الضبابية، لاسيما بعد الأحداث الدرامية التى خيمت على الانتخابات الأمريكية منذ الساعات الاولى، وظهرت النتائج من غير اظهار اثناء عملية التصويت، وهى النتائج المعلنة التى حملت دونالد ترامب لاعتماد إدارة رئاسيه بخلطة البايلا.