الرجال ما هم إلا طبق الحلوى..سعيد ذياب سليم

 

نعيش في مجتمعاتنا الشرقية تحت مظلة يُحتج بأنها قائمة على الأخلاق والدين، بينما تتحكم بها في الواقع عادات وتقاليد غير مرئية، تُقيد الأفراد وتُلقي بأعباء الخطأ على المرأة كلما تخطت حدود تلك الأعراف. كيف يمكن للمرأة أن تحقق ذاتها والعيش وفقا لتوقعات المجتمع؟

القيود الثقافية وتأثيرها على المرأة

في هذا السياق، تُصوّر المرأة أحياناً كضحية تلعب دوراً محدوداً ضمن أطر مجتمعية تُكرّس سيطرة الرجل كفارس همام. لكن هذا الواقع ليس حصراً على مجتمعنا الشرقي، بل يظهر بأشكال مختلفة في ثقافات أخرى، مثلما نرى في بعض العادات التي تُظهر كيف تمتهن المرأة وتُسلب استقلالها. على سبيل المثال، هناك قول عند شعب التونغا في زامبيا، “المرأة هي كيس مصنوع لتحمل”، يظهر كيف تُصور المرأة ككائن خاضع للأعباء والضغوط. في المقابل، نجد أن في قبيلة الهيمبا الرعوية في ناميبيا، تُعطى المرأة مساحة معينة للحفاظ على استقلالها. على الرغم من التقاليد التي قد تبدو غريبة بالنسبة لنا، إلا أن المرأة في هذه الثقافة تتمتع بحرية نسبية في اتخاذ قراراتها، كما في عادة “أوكوجيبيسا”، التي تسمح للمرأة باختيار ما إذا كانت ستقبل أو ترفض قضاء ليلة مع ضيف الزوج. هذا المبدأ يعكس استقلالها النفسي والقدرة على اتخاذ قرارات تتعلق بحياتها الخاصة، في سياق اجتماعي يعزز دورها ويسمح لها بالمشاركة الفعّالة في الحياة الأسرية والاجتماعية.
اختلاف الأدوار بين الثقافات: قبيلة الهيمبا

تشتهر قبيلة الهيمبا بعادة “أوكوجيبيسا”، والتي تقوم على تبادل الزوجات كوسيلة لتعزيز الروابط الاجتماعية. يُسمح للضيف بقضاء الليلة مع زوجة المضيف كدليل على الكرم والثقة، بينما تتمتع النساء بحرية نسبية في قبول هذه الترتيبات أو رفضها. ورغم ما قد يبدو غريباً من منظورنا بل شاذاً، يرى مجتمع الهيمبا أن هذه العادة تُعبر عن قيم مثل الكرم وتوطيد العلاقات. في المقابل، تهتم الدراسات بالأثر الاجتماعي والصحي لهذه التقاليد، مثل انتشار الأمراض الجنسية وأوضاع الأطفال الذين يولدون خارج الزواج.

هذه التقاليد، رغم غرابتها بالنسبة إلينا، تسلط الضوء على مفهوم مشترك بين الثقافات: محاولة ترسيخ أدوار محددة للمرأة والرجل. ورغم اختلاف الأشكال، يبقى السؤال واحداً: كيف تستطيع المرأة أن تصون استقلاليتها وسط هذه الأعراف؟
النساء في التاريخ: هيباتيا والأم تيريزا

على مر التاريخ، كانت النساء دائمًا في صراع مع القيود الاجتماعية التي تحد من خياراتهن. لم يقتصر دور المرأة على أن تكون زوجة أو أم فقط، بل كان لها دور محوري في مجالات متعددة، كما يتضح من حياة هيباتيا، الفيلسوفة والعالمة اليونانية التي وُلدت في الإسكندرية في القرن الرابع الميلادي. كانت هيباتيا تمثل تحديًا للجهل والتعصب، حيث كرست حياتها للعلم والفلسفة، وكان لها تأثير كبير في تطوير الفكر الفلسفي والعلمي في ذلك العصر. ورغم هذا الدور الرائد، قُتلت بطريقة مأساوية على يد حشد من المتطرفين في الإسكندرية بسبب صراعات دينية وثقافية.

أما الأم تيريزا، فقد اختارت حياة التضحية والعطاء، كرست حياتها لخدمة الفقراء والمحتاجين، مما يعكس قدرة المرأة على تحدي التوقعات الاجتماعية لبناء حياة مليئة بالعطاء والرحمة. كان كل من هيباتيا والأم تيريزا مثالين حقيقيين على أن دور المرأة لا يتوقف عند حدود الزواج والأمومة، بل يمتد إلى مجالات الفكر والعلم والعمل الخيري.

الاختيار والاستقلال النفسي

إن بناء استقلال نفسي وشخصية قوية هو المفتاح لمواجهة التحديات. يجب على المرأة أن تسعى لتنمية وعيها الذاتي، وأن تتجنب الوقوع في شرك العلاقات التي تعكس ضعفاً أو اعتماداً عاطفياً مبالغاً فيه. وفي هذا السياق، يُمكننا الاسترشاد بقوله تعالى: “إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ” (الأحزاب 32). هذا التوجيه يعزز من أهمية الحفاظ على الكرامة والاعتداد بالنفس.

كما تنصح سونيا فريدمان في كتابها الرجال مجرد حلويات: “الرجل ليس منبع السعادة، بل مجرد إضافة لها.” فريدمان تدعو النساء لتوخي الحذر عند اختيار الشريك، مؤكدةً أن محاولة تغيير طِباع الرجل عادةً ما تكون محاولة غير مجدية. بل يجب على المرأة أن تركز على بناء شخصيتها وتعزيز ثقتها بنفسها، لتكون قادرة على اتخاذ قرارات صائبة تنبع من استقلاليتها النفسية. هذا الرأي يتحدى فكرة الاعتماد الكامل على الرجل، ويدعو إلى بناء علاقة صحية قائمة على التكامل وليس التبعية.

دور التربية في بناء الوعي

يمثل الأب النموذج الأول للفتاة عن الرجل، إذ تتعلم من طريقته في التعامل مع الأم مفاهيم الجرأة والثقة بالنفس أو التردد والانكسار. وفي المقابل، قد تُسقط الأم على ابنتها تطلعات لم تُحققها، مما يُثقل كاهل الفتاة بعبء نفسي كبير لتحقيق أحلام ليست أحلامها.

من هنا تأتي أهمية دور الأسرة في تنشئة الفتاة على وعي ذاتي يُمكّنها من اتخاذ قراراتها بعيداً عن الضغوط. عندما يحرص الوالدان على غرس قيم مثل الاحترام المتبادل، والتوازن بين الطموحات والواجبات، ينشأ جيل من النساء القادرات على مواجهة تحديات المجتمع بثقة وحكمة، مدركين أن القوة الحقيقية تأتي من التوازن بين الحرية الشخصية والمسؤولية الاجتماعية.

خاتمة: نحو حياة قائمة على الاحترام المتبادل

إن قوة المرأة لا تكمن فقط في القوانين التي تساويها بالرجل، بل في قدرتها على تعزيز وعيها الذاتي وحريتها النفسية. فالمرأة التي تعي ذاتها وتستقل بشخصيتها تصبح قادرة على اختيار شريك يضيف إلى حياتها بدلاً من أن يُثقلها بظلال التقاليد القديمة.
سعيد ذياب سليم