قبلة الحياة بقلم نادية نوري

قد يتبادر إلى أذهانكم من العنوان تلك العملية الفيزيائية التي تعلمناها في مادة العلوم، حيث يعيد المسعف عمل عضلة القلب لضخ الدم إلى الجسم ويعطي الرئتين الأوكسجين، ليعود المريض بعدها للتنفس وكأن الحياة قد عادت إليه بعد إغماءة قصيرة. لكن ما أتحدث عنه هنا هو تأثير بعض الأشخاص الذين يمثلون في حياتنا قبلة الحياة، فهم نعمة ورزق من الله. كلماتهم تحمل تأثيراً قوياً في النفوس، كالدعاء أو كقبلة الحياة التي تعيد الأمل إلى من سيطر عليه اليأس وزهد في الحياة. هؤلاء الأشخاص قد يكونون مصدراً للقوة والحكمة، حيث يبعثون فينا عزيمة جديدة ويمنحوننا الأمل للمضي قدماً.

على المستوى الشخصي، كانت ابنتي بالنسبة لي قبلة الحياة بعد بلوغي الستين من عمري. فقد أكملت ابنتي دراستها واستقلت بحياتها، واعتقدت أن رسالتي في الحياة قد انتهت. لكن ابنتي أخذت بيدي وأنارت لي الطريق، واكتشفت موهبتي ودفعتني لدخول عالم جديد. بفضل دعمها، شققت طريقي الجديد وكأنني ولدت من جديد، وعشت حياة مليئة بالأمل والعزيمة، ووجدت هدفاً جديداً سعيت لتحقيقه بكل قوة.

قرأت عن رجل أعمال ناجح، قال إنه وُلد فقيراً في أسرة معدمة، وكان يضطر إلى العمل كـ “بيّاع أقلام” على مدخل المطار. كان يقف في البرد والحر ليبيع الأقلام، ويكسب بعض المال لينفقه على نفسه وعائلته. وفي يوم من الأيام، قابل رجلاً في الأربعينات من عمره، في كامل هيبته ووقاره. اشترى الرجل منه الأقلام، ثم قال له: “نحن رجال الأعمال، كلنا نسعى للرزق الحلال”. كانت هذه الكلمات بمثابة صدمة له، حيث لم يرَ الرجل فيه متسولاً، بل ساواه معه في مسعاه للرزق. هذه الكلمات كانت بالنسبة له قبلة الحياة، حيث قرر بعد ذلك أن يكون شخصاً محترماً، وألا يتقبل نظرات العطف من أحد. وبدأ بتطوير عمله ودراسته، حتى أصبح في النهاية رجل أعمال ناجح.

على الجانب الآخر، هناك كلمات قد تكون قاتلة وتبعث الألم والغضب، وتساهم في زرع اليأس في النفوس. مثل تلك الكلمات التي قد يوجهها الأب لابنه، مثل “أنت فاشل” أو “أنت غبي”. كيف نتوقع النجاح لذلك الابن الذي يعامل بهذه الطريقة؟ أو مثلما تفعل الأم التي تقول لابنتها “لن تتوفقي في حياتك”. علينا أن نتذكر أن ذاكرة الأطفال كالأسفنجة، تمتص كل ما يسمعونه ويتأثرون به بشكل كبير. وهذه الكلمات السلبية قد تساهم في زرع الفشل في نفوسهم بشكل غير مقصود.

من المهم أن نختار كلماتنا بعناية، خاصة عندما نتحدث مع أطفالنا أو مع الآخرين. علينا أن نكون سبباً في دعمهم وتشجيعهم على النجاح، بدلاً من أن نكون سبباً في إحباطهم وفشلهم. كما قال نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: “الكلمة الطيبة صدقة”. وصدق الأديب عبد الرحمن الشرقاوي عندما قال: “الكلمة نور وبعض الكلمات قبور”.