في مثل هذا اليوم، تمر الذكرى السنوية لاستشهاد رجل من طراز خاص، رجل ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الأردن والمنطقة، رجل جسد بأفعاله الوطنية، أعظم معاني الشجاعة والتضحية. إنه وصفي التل، الشهيد الذي سطر بدمه صفحات من الوفاء لوطنه، وصفي التل الذي ترك وراءه إرثاً من الفخر والاعتزاز لا يزال ينبض في قلوب الأردنيين.
لم يكن وصفي التل مجرد رجل دولة أو سياسي فحسب، بل كان رمزاً للوطنية الصادقة، التي لا تعرف المحاباة أو التردد. كان قلمه نقيًّا كطهر الأرض الأردنية، وخطابه نابعاً من قلب مليء بحب الوطن وأهله. وأما قراراته، فقد كانت دائماً تنبض بالمسؤولية تجاه الأجيال القادمة، حيث كان يسعى جاهداً لتحقيق العدالة والمساواة لشعبه.
لقد كان وصفي التل، وهو في قلب الأحداث التاريخية الكبرى، قدوة لكل من يسعى لبناء وطن قوي وعادل. كان الرجل الذي قدم كل شيء من أجل الأردن، وأصبح صوته في الساحة الدولية مسموعًا بوضوح، يعبر عن أحلام وطموحات شعبه. كان صاحب موقف لا يتزعزع أمام التحديات، وصاحب قرارات حاسمة في أحلك الظروف، وكان دومًا الصوت الذي ينادي بالوحدة والتضامن في ظل الأزمات.
لكن، في اللحظة التي اعتقد فيها البعض أن وصفي التل قد ينسحب إلى الظلال، فقد اختار البقاء، وقرر أن يكون في الصفوف الأولى في معركة الدفاع عن الوطن، حتى دفع ثمن هذا الموقف الغالي. في لحظة اغتياله، رحل جسده ولكن روحه كانت قد زرعت فينا جميعًا بذوراً من العزيمة والإصرار، وها نحن نعيش هذه الذكرى التي تذكرنا بأن التضحيات لا تذهب سدى، بل تظل أجيالًا بعد أجيال تتعلم منها.
وإن كانت الكلمات تعجز عن وصف حجم الأسى والحزن الذي يعتصر قلوبنا في هذه الذكرى، فإن الحديث عن وصفي التل يُعيد إلى الأذهان صورة الرجل الذي لم يكن يبحث عن المجد الشخصي، بل كان يبحث عن رفعة وطنه وعزته. إن تاريخه سيبقى حياً في ذاكرتنا كما هي دماء شهداء الأردن الطاهرة التي سقت أرض هذا الوطن العظيم.
في ذكرى استشهاده، نُجدد العهد أمام وصفي التل وكل شهداء الأردن، بأننا ماضون على دربهم، حاملين لواء العزة والكرامة، ولن ننسى أبداً أن وطننا الذي عشقوه بدمائهم، هو أغلى ما نملك. لن ننسى وصفي التل، شهيد الأمة، الذي سيبقى حياً في قلوبنا وعقولنا، ذكرى لا تمحى، وعبرة لا تندثر.
حمى الله الاردن ورحم كل شهداء الوطن.