تمظهرات خصائص أدب الأطفال في “سفراء التسامح” للقاصة الكويتية أمل الرّندي

بقلم: أسيد الحوتري

مما لا شك فيه أن أدب الأطفال عامل رئيس وفاعل في تربية الأطفال وتعليمهم وبناء شخصيتهم، لذلك يولي الكُتّاب المختصون، ودور النشر، والمؤسسات الحكومية، والخاصة، عناية لا بأس بها في هذا الأدب، إلا أنّ المخرجات متواضعة لضعف الإمكانات، ولأن أعلام العرب في هذا الجنس الأدبي قلة قليلة لا تتناسب مع عدد الأطفال في وطننا العربي الكبير.

ومن أعلام أدب الأطفال في الوطن العربي عموما، وفي الكويت خصوصا، القاصة الكويتية أمل الرّندي التي رفدت مكتبة الطفل العربي بما يزيد عن (40) عمل أدبي، كثير منها طُبع ونُشر من قبل دار شمس الكويت للنشر المملوكة للقاصة الرندي.

قدمت أمل الرندي كمّا كبيرا من المتعة والفائدة للأطفال عبر قصصها المنوعة؛ ومنها قصة تحمل اسم “سفراء التسامح”، رسوم: منال فهمي محجوب، منشورات دار شمس الكويت، توزيع دار المؤلف، لبنان، صدرت عام (2018).

تقدم هذه المقالة نقدا لقصة “سفراء التسامح” يقوم على أهم العناصر التي تميز أدب الأطفال عن أدب الكبار وتمنحه خصوصيته:

أولا، يخاطب أدب الأطفال فئات عمرية مختلفة. لا يوجد إجماع بين المختصين على هذه الفئات، وذلك بسبب الفروق الفردية بين الأطفال في كل مرحلة عمرية في النمو والإدراك والخيال، مع ذلك يقسم البعض الفئات العمرية للأطفال إلى (4) فئات: الفئة الأولى، الطفولة الأولى وهي دون الثلاث سنوات تقريبا. الفئة الثانية: الطفولة المبكرة، (3-6) سنوات تقريبا. الفئة الثالثة، الطفولة المتوسطة (6-9) سنوات تقريبا. رابعا وأخيرا: الطفولة المتقدمة (9-12) سنة تقريبا. ولكل فئة عمرية خصوصيتها، وما يناسبها من خطاب، وحجم الكتاب، ورسوم، إلخ.

نلاحظ أنه تم تحديد الفئة العمرية المستهدفة على الغلاف الأمامي لقصة “سفراء التسامح”، والفئة هي (10-12) سنة، وهذا يوضح أن القصة موجهة لفئة الطفولة المتقدمة. كتابة الفئة العمرية المستهدفة على الغلاف الأمامي في حد ذاته يحسب للقاصة، فهذا أمر لا غنى عنه، لأنه يسهل على أولياء الأمور، والمعلمين، اقتناء القصص التي تتناسب مع الفئة العمرية التي تعنيهم.

بالنسبة لفئة الطفولة المتقدمة، ينصح المختصون بأن تركز القصص على مشاكل الأطفال في هذه الفئة العمرية التي تنمو جسديا وعاطفيا وتقترب من سن البلوغ (المراهقة)، لتساعدهم على إيجاد الطريقة الناجعة للتعامل مع مشاكلهم لتخطيها.

إن المرحلة العمرية التي تُقدَّم فيها القيم للأطفال مثل قيمة التسامح التي تطرحها قصة “سفراء التسامح” هي فئة الطفولة المتوسطة (6-9) سنوات تقريبا. مع ذلك لو نظرنا بشكل أعمق إلى القصة لوجدنا أن القاصة تقدم التسامح كعلاج لمشكلة الانفعال العاطفي الذي يصيب الأطفال في مرحلة الطفولة المتقدمة والتي يكونون فيها على عتبة مرحلة البلوغ التي ترهق الطفل وأسرته بسبب التغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على جسمه. وهكذا، بالإضافة إلى كون التسامح قيمة يجب على الطفل تعلمها، كان أيضا علاجا لمشكلة الانفعال السريع، والغضب التي تصيب الطفل في هذه الفئة العمرية. يؤكد هذا ما ورد في القصة عندما أحرقت الخادمة (ميري) فستان الطفلة مشاعل التي “صرخت في وجه (ميري) بغضب: كيف تفعلين ذلك يا (ميري)؟ ما هذا الإهمال؟ ماذا ألبس غدا؟” (الرندي 17). وهنا سيعيش الطفل القارئ للقصة حالة الخسارة التي تعرضت لها مشاعل، ومشاعر الغضب التي انتابتها، وسيستمع إلى تعقيب والدتها: “صحيح أن (ميري) أخطأت، لكن الله سبحانه وتعالى وعد الكاظمين الغيظ بالجنة” (17). تورد الرندي الآيتين (133-134) من سورة آل عمران واللتان تؤكدان وعد الله بالجنة لمن يكظم غيظه، ويعفو عن الناس، ويحسن إليهم، والله يحب المحسنين. وهكذا يكون التسامح بكظم الغيظ، والعفو، والإحسان علاجا لمشكلة الانفعال العاطفي والغضب التي تصيب الأطفال في فئة الطفولة المتقدمة.

ثانيا، يمتاز أدب الأطفال عن أدب الكبار بمرافقة الرسوم له. إنه عمل مشترك بين قاص ورسام، لذلك نجد دائما على الغلاف الأمامي للكتاب اسمي: القاص والرسام. الرسم للفئة العمرية المتقدمة يختلف عن الرسم للفئات الأصغر. في هذه الفئة يُسمح بأن تحتوي الرسمة على عناصر متعددة وتفاصيل، فهذا الأمر لا يشوش الطفل في هذه الفئة، فيما يشتت انتباهه في الفئات العمرية الأصغر. في صفحة (10) نجد أن الرسمة احتوت على (9) شخصيات: (3) حُكّام، (3) ممثلين، (3) صور جدارية لـ (مهاتما غاندي)، (نيلسون مانديلا)، والأم (تريزا)، بالإضافة إلى (9) أشخاص من جمهور العرض المسرحي. هذا العدد الكبير من الشخصيات لا يشتت انتباه الفئة العمرية المستهدفة، إلا أنه غير مناسب أبدا للفئات العمرية الأصغر خصوصا الطفولة الأولى والطفولة المبكرة.

امتازت الرسوم أيضا بالألوان الزاهية التي تدخل البهجة إلى قلوب الأطفال. كما كانت ملتزمة، ولم تقدم ما هو مستهجن أو خادش للحياء.

ثالثا، يمتاز أدب الأطفال في بعض الأحيان بأنه أدب تفاعلي، والحقيقة أنّ هذا ما يجب أن يكون عليه دائما. وتتجلى هذه التفاعلية عبر بعض عتبات النص مثل: أسئلة القصة، والنشاطات المقترحة في آخر القصة: أرسم، لون، وصّل، قص ولصّق، إلخ. نسبة لا بأس بها من كتاب أدب الأطفال يعتمدون هذه التفاعلية في أعمالهم. وهذا التفاعل غير موجود بهذا الشكل في أدب الكبار.

في “سفراء التسامح” نجد أن القاصة الرندي لم تغفل أمر التفاعل بين القصة والطفل، فأرفقت في آخر الكتاب، في صفحة (20)، مجموعة من الأسئلة موجهة إلى الطفل.

رابعا، يختلف خطاب أدب الأطفال من حيث الموضوعات، واللغة، والأسلوب عن الخطاب في أدب الكبار. فيُحظر التطرق في أدب الأطفال لكثير من الموضوعات مثل: القتل، الاغتصاب، التحرش، تعدد الزوجات، المثلية الجنسية، الإباحية، إلخ. وهذه الموضوعات محظورة مع كل الفئات، وإن كان لا بد من طرحها للتحذير من مخاطرها، فيجب أن تطرح بحذر شديد وحكمة بالغة حتى لا تأثر سلبا على نفسية الطفل وفكره. من الواضح جدا أن الرندي تجنبت الخوض فيما هو محظور في “سفراء التسامح”، وكان التسامح: كظم الغيظ، والعفو، والإحسان مطهرة للقلب، ومرضاة للرب.

أما لغة الخطاب في أدب الأطفال فتختلف أيضا عما هي عليه في أدب الكبار. يجب على القاص أن ينتبه إلى المفردات التي يستخدمها في نصه، فلكل فئة عمرية قاموسها الخاص. وأفضل طريقة للتعرف على القاموس الخاص بكل فئة هو اختيار طفل من الفئة المستهدفة وقراءة النص عليه، وهو بدوره سيحدد ما الذي لم يُفهم من النص، وما الذي يحتاج إلى توضيح.

اللغة في “سفراء التسامح” في غاية الوضوح والسلاسة، ولا يوجد أي مفردة تستعصي على الفهم، إن استثنينا “الكاظمين الغيظ”، ووجودها ضروري سنأتي عليه لاحقا.

كما يجب على القاص أن يحسن بناء الجمل، فلكل فئة عمرية جملها الخاصة بها، والتي تطول كلما انتقلنا من فئة عمرية إلى أخرى. كذلك يجب على القاص أن ينتبه إلى عدد الجمل التي تكون الفقرة، وعدد كلمات النص ليتناسب مع الفئة العمرية المستهدفة، فمن غير المقبول أن نقدم نصا من (500) كلمة لفئة الطفولة الأولى، أو نصا من (50) كلمة لفئة الطفولة المتقدمة.
بلغ عدد الكلمات في “سفراء التسامح” (500) كلمة تقريبا، وهو رقم مقبول لفئة الطفولة المتقدمة. كما أن عدد الفقرات في هذه القصة يراوح بين فقرتين إلى خمس فقرات لكل صفحة، ويتراوح عدد الجمل في الفقرة الواحدة بين جملة واحدة إلى جملتين، وكل ما سبق يتناسب مع الفئة العمرية المخاطبة.

أما أسلوب الخطاب في “سفراء التسامح” فلم يحاكي شيئا من الأساليب التي تستخدم في كثير من الأحيان في أدب الأطفال: أسلوب القرآن في القص، الأدب الشعبي وأشكاله التعبيرية، أو الأسلوب السحري. يبدو أن ثيمة التسامح والأحداث الواقعية في القصة فرضت على القاصة استخدام أسلوب واقعي قريب من لغة الحياة اليومية، فالأساليب سابقة الذكر تتناسب بشكل أكبر مع قصص البطولات، والمغامرة، والخيال الجامح.

خامسا، يمتاز أدب عن الأطفال عن أدب الكبار بكونه أدبا تربويا وتعليميا، لا شك أن الإمتاع جزء لا يمكن الاستغناء عنه في أدب الأطفال فهو الذي يحمل رسالة التربية والتعليم. وللتربية أشكال عدة: التربية الجمالية، الخلقية، اللغوية، والنفسية: التطهير الانفعالي. أما التربية الجمالية فهي طرق تجعل من الطفل ذو إحساس مرهف يتذوق الجمال المادي والمعنوي فينعكس عليه بالراحة النفسية. والتربية الخلقية جزء من التربية الجمالية المعنوية، حيث يتعلم الطفل مكارم الأخلاق ليخالق الناس بها. وتُعنى التربية اللغوية بتعليم المفردات، وبناء الجمل، والحديث، إلخ. أما التربية النفسية: التطهير الانفعالي، فيتم عبر قراءة قصص قد تحاكي مواقف سلبية عاشها الطفل، فيتعلم الطفل من بطل القصة أو من الشخصية الرئيسة فيها الطريقة المثلى لمواجهة المحن، فيكون هذا تطهيرا عاطفيا للطفل، يتخلص فيه مما يعكر صفوه.
إن أي طفل غاضب بسبب إتلاف أي من ممتلكاته، سيتطّهر عاطفيا عندما يقرأ “سفراء التسامح” ويحيا مع مشاعل تجربة خسارتها لفستانها الذي أحرقته (ميري)، ويدرك أنها تغلبت على هذه الخسارة بالعفو الإحسان، طمعا في رضا الله وجنته.
“سفراء التسامح” قدمت أيضا جانب من التربية الجمالية المعنوية والتربية الخلقية حين طرحت فكرة التسامح بكظم الغيظ، والعفو عن الناس، والإحسان إليهم.
كما علّمت الأطفال مصطلحا لغويا جديدا: “كظم الغيظ”، وهذا من باب التربية اللغوية.

أما التعليم في “سفراء التسامح” فيتجلى بالتعريف بأعلام التسامح العالمي: (مهاتما غاندي)، (نيلسون مانديلا)، والأم (تريزا). أفردت الرندي الصفحة رقم: (23) بالكامل، لتقديم معلومات إضافية عن هذه الشخصيات. ولقد قامت الرسامة منال محجوب بإضافة صور (فوتوغرافية) للشخصيات المذكورة إلى رسومها، وجعلتها جزءا من ديكور العرض المسرحي، لغاية تعليمية بحتة، حتى يتعرف الطفل على الملامح الحقيقية لهذه الشخصيات العالمية، ونرى هذه الصور في الصفحتين: (10) و(12).
يبدو أنه كان من الأَوْلى إضافة شخصية عربية إلى أعلام التسامح العالمي، وذلك بهدف تعزيز الحس القومي لدى الطفل العربي بالإضافة إلى الحس الإنساني.

هكذا تم تقديم قراءة نقدية موجزة لقصة “سفراء التسامح” قامت على أهم العناصر التي تمنح أدب الأطفال خصوصيته وتميزه عن أدب الكبار: مخاطبة فئات عمرية مختلفة، مرافقة الرسوم، التفاعلية، خصوصية الخطاب من حيث الموضوعات، واللغة، والأسلوب، وارتباط أدب الأطفال بالتربية والتعليم.