إضاءة على المجموعة القصصية “روزيتا” لفاتن شحادة

بقلم: الروائي عبد السلام صالح.

ضمت “روزيتا” سبع قصص منوعة، اثنتان منها قصيرة:” حديث أهل القبور” ، و”رسالة من العالم الآخر”، وخمس قصص طويلة: “ولو بعد حين”، “روزيتا”، “الجريمة الكاملة”، “حدث في سراتوجا”، و”دقت الساعة”.

دارت أحداث المجموعة القصصية في عوالم غرائبية أحيانا، وعجائبية أحيانا أخرى، وفي عوالم الجريمة والرعب أيضا. وجاءت هذه العوالم في إطار (البارانورمال): ما وراء الطبيعة، و(الباراسيكولوجي): ما وراء علم النفس. كان توظيف هذه العوالم غير التقليدية مقنعا ومنطقيا داخل النصوص. احتوت هذه المجموعة القصصية على جرائم قتل غامضة ومحزنة، وعلى أموات، أشباح، يتواصلون مع الأحياء من أجل الوصول إلى القاتل، وشياطين ملعونة تتسلط على البشر فترعب منهم فريقا وتقتل فريقا آخر. لقد كان الرعب ذلك الشعور المسيطر على مفاصل هذه المجموعة والخيط الناظم لقصصها.

أما البناء القصصي فجاء متماسكا، خال من أي خلل بنائي أو فني ملحوظ. كما كانت الشخصيات منطقية ومقنعة أيضا، رُسمت بدقة، سواء من الداخل أو من الخارج. وكان تفاعل هذه الشخصيات منطقيا أيضا متناسبا مع أحداث القصص ومع الشخصيات الأخرى.

بالنسبة للأحداث فقد كان تطورها متراكبا بشكل سلس، ومحبوكا بشكل دقيق، حافظ على استمرار عنصري التشويق والإمتاع في جميع القصص.

أما لغة النص فكانت مناسبة جدا لوعي الشخصيات وموفقة في الوصول إلى القارئ بعيدة كل البعد عن الاستعراض والتقعير. إلا أن استخدام اللهجة العامية في بعض الأحيان، خصوصا في بداية المجموعة القصصية، قد يثير عند القارئ مجموعة من الأسئلة منها: هل كان استخدام العامية لضرورة فنية؟ هل ساهت العامية في تمتين القص أم في إضاعفه؟ هل كانت العامية مقصودة أم عفوية نتجت عن سرعة في الكتابة، وضعف في التحرير؟ وإن كانت العامية مقصودة، فما الغاية المرجوة منها؟ عموما، كانت لغة النصوص جيدة ومناسبة، ومتناسبة مع (سيكولوجية) الشخصيات ووعيها وانفعالاتها.

كانت الإطالة أمرا لافتا للنظر في هذه المجموعة القصصية! مع ذلك لم يكن في هذه الإطالة أي فائض لغوي زائد، كما لم يكن هناك إقحام لأحداث غير ضرورية في القص. ومن الممكن أن تستدعي هذه القصص الطويلة سؤالا مبررا ومنطقيا ومُهِمّا في ذهن القارئ: هل من الممكن أن تكون هذه القصص الطويلة مشاريع روايات قادمة؟ لقد اقتربت بعض هذه القصص بشكل أو بآخر من عالم الرواية وخصوصا عالم الرواية القصيرة (نوفيلا). هذا مجرد سؤال مفتوح قد يخطر على بال الكثير، مع ذلك فلا يمثل حكما قاطعا على هذه المجموعة القصصية، بقدر ما يشير إلى أحد الأسباب المحتملة التي منحت المجموعة صبغة المتعة والتشويق، والإشارة إلى قدرة القاصة على التوجه نحو كتابة الرواية عاجلا أم آجلا.

كما أن جريان أحداث القصص في عوالم ما ورائية، أو وراء طبيعة (برانورمال)، أخرج القصص من إطارها التقليدي الكلاسيكي، وأضفى عليها قدرا من الامتاع، والترقب، والتشويق.

هكذا تم التطرق لمفاصل عدة شكلت هذه المجموعة القصصية: العوالم الغرائبية والعجائبية (البرانورمال) التي سيطرت على المجموعة فأخرجتها من الشكل التقليدي وجعلتها منهلا للتشويق والامتاع. البناء القصصي المتماسك، الشخصيات المقنعة المنسجمة مع الأحداث ومع غيرها من الشخصيات، لغة النص السهلة والسلسة، والعامية المثيرة للتساؤلات. وأخيرا حجم القصص التي جعلها تقترب من حجم بعض الروايات القصيرة الأمر الذي وثّق العلاقة بين النص والقارئ ورفع من منسوب المتعة.

يذكر أن هذا هو العمل الأول للقاصة فاتن شحادة، وقد صدر عن دار وائل للنشر والتوزيع عام 2022. وللقاصة قصة خيال علمي تحمل اسم “الفرقة الخامسة”، كما لها سبع قصص باللغة الإنجليزية تم نشرها على موقع (كندل/أمازون)، ولها أيضا (سيناريوهان) لفيلمين قصيرين: “تكنولوجيا”، و “بكتب اسمك يا حبيبي” تم انجازهما بالتعاون مع وزارة الثقافة والهيئة الملكية للأفلام.