المسيحيون ايقونة الشرق وجوهرته … محمد قاسم عابورة

في ايام اعياد الميلاد المجيدة ،  وبعد تقديم التهنئة للشعب الأردني والإنسانية جمعاء ، لا بد ان نستحضر رسالة المسيح عليه السلام التي تشعّ حبًا وسلامًا ، ونستحضر دور اتباعه في ارساء ونشر اسس المحبة والحضارة في مشرقنا العزيز .

إن بهجة أعياد الميلاد في الأردن ليست مجرد احتفال عابر، بل هي انعكاس لروح المحبة والسلام التي تجمع الأردنيين ، وتجعل من العيد مناسبة تضفي الدفء على القلوب ، بهجة أعياد الميلاد المجيدة في الأردن تحمل طابعًا خاصًا يمزج بين الأصالة والروحانية والفرح الجمعي .

المسيحيون في الأردن والمشرق العربي ليسوا مجرد جزء من النسيج الاجتماعي للمنطقة ، بل هم جوهرة الشرق وروحه الحية التي تمنحه أصالة وعمقاً حضارياً ، منذ ألفي عام ويزيد والمسيحيون ضاربة جذورهم في هذه الأرض التي شهدت ميلاد المسيحية، فكانوا شهودًا على التاريخ ومساهمين في صياغته ، متجذرين في تعاليم يسوع المسيح ورسله ، ومتمسكين بدورهم في بناء حضارة المشرق العربي وثقافته.

في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية ، بقي المسيحيون يحافظون على وجودهم بإصرار وصمود ، معبرين عن إيمانهم العميق بحوار الحياة ، متفاعلين ، مؤثرين ومتأثرين في المساهمة فى انتاج الحضارة تشكيل الثقافة ، لقد أبدعوا في العمارة، ونسجوا ألحان الموسيقى، وأثروا الأدب والفكر  ، وهم دوما ً كانو الرواد .

في العصر الحديث، كان للمسيحيين دور بارز في حركات النهضة العربية ، تصدّروا ميادين الصحافة والتعليم، وأسهموا في تطوير اللغة العربية ونشر الفكر التنويري ، فكانوا شعلة مضيئة في طريق النهضة القومية والثقافية .

رغم الأزمات والتحديات التي مر بها الشرق الأوسط ، وخاصة ما يجري من حروب ابادة في فلسطين ، وما تبعها من حروب ونزاعات وهجرات ، لا يزال المسيحيون يضطلعون بدورهم الحيوي والمحوري في صون عروبتهم وتراثهم وهويتهم ، معربين عن أملهم الدائم بمستقبل أكثر سلاماً وعدلاً .

وُلدت المسيحية في هذه الأرض الطاهرة التي شهدت ميلاد المسيح في فلسطين، وفي مياه نهر الأردن عُمّدَ المسيح ، ومنها انطلق رسله لينشروا رسالة الإيمان والمحبة. منذ ذلك الحين، ظلّ المسيحيون جزءًا لا يتجزأ من نسيج الشرق ، يزرعون في تربته بذور الأمل ، ويُثرون ثقافته وتراثه، مؤكدين في كل لحظة أنهم جوهرة هذا المشرق وروحه النابضة.

إن المسيحيين في المشرق العربي هم حجر الزاوية في هوية المنطقة ، في أرضٍ احتضنت عبر تاريخها ثقافات وأديانًا كانت نورًا أضاء البشرية جمعاء ، يجسد المسيحيون إرثًا خالدا ًمن الأمل والإبداع والصمود ،  وعلى مر العصورهم روح الشرق وقلبه ،  حيث شكلوا ثقافته وأغنوا تراثه ، ووقفوا شامخين شهوداً على تاريخه العريق ، هم الأصل والجذور.