يجسد الأردن نموذجاً متميزاً للتسامح الديني، حيث يعيش المسلمون والمسيحيون جنباً إلى جنب، ينعمون بالأمن والسلام، ويشتركون في الاحتفال بالمناسبات الدينية، كل وفق معتقداته الخاصة. وفي عيد ميلاد السيد المسيح، تشهد شوارع المدن الأردنية، خاصة في العاصمة عمان، احتفالات تجسد أخوة الإنسان مع أخيه الإنسان، بغض النظر عن الدين أو المذهب.
عندما تضاء الشموع على أشجار الميلاد وتُسمع ألحان الترانيم في الكنائس، يظل المسلمون يقفون إلى جانب إخوانهم المسيحيين في تعبير عن المحبة والمودة. إن هذه اللحظات الرمزية تعكس عمق العلاقة بين أبناء المجتمع الأردني، الذين يعبرون عن روح التسامح من خلال تبادل التهاني في هذا العيد المقدس، ويشاركون في مسيرات وأحداث ثقافية ودينية تهدف إلى تعزيز وحدة الأمة وتعميق أواصر الأخوة بين الجميع.
إن الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح في الأردن ليس مجرد مناسبة دينية للمسيحيين، بل هو لحظة من اللحظات التي يعبر فيها الجميع عن رغبتهم في تعزيز قيم الحب والتسامح والاحترام المتبادل. ففي حين يحيي المسيحيون ذكرى ميلاد مخلصهم، يجد المسلمون أنفسهم مطالبين، وفقاً لقيم دينهم، بأن يقفوا مع إخوانهم في الإنسانية في كل مناسبة من هذا النوع، مؤكدين بذلك على أن التسامح لا يتطلب مجرد التعايش، بل انفتاحاً على الآخر وفهماً عميقاً لمشتركنا الإنساني.
ما يعزز هذه الروح من التسامح والتعايش هو الدعم الكبير الذي تقدمه القيادة الأردنية، التي طالما شددت على أهمية الوحدة الوطنية بين جميع مكونات الشعب الأردني. فالعائلة الهاشمية، برؤيتها الثاقبة، كانت وما زالت تسعى لإرساء قواعد العدالة والمساواة بين جميع المواطنين بغض النظر عن دينهم أو عرقهم. لقد أكدت الهاشمية، من خلال العديد من المناسبات الوطنية، على أن الأردن هو وطن الجميع، وأن العيش المشترك هو أساس الاستقرار والازدهار.
وفي هذا السياق، لا يغفل التاريخ الأردني الطويل في الدفاع عن حقوق الأقليات، بما في ذلك المسيحيون الذين كانوا ولا يزالون جزءاً لا يتجزأ من نسيج المجتمع. ففي كل مناسبة دينية، سواء كانت إسلامية أو مسيحية، يعبر الجميع عن احترامهم العميق للتنوع الديني ويحتفلون به من خلال فعاليات تبرز روح التعاون والوحدة.
في عيد ميلاد السيد المسيح، لا تتوقف الرسالة العميقة التي يحملها هذا الحدث الديني عن الظهور في الأردن. إنها رسالة حب وتسامح تتجسد في مشهد حقيقي يعبر عن قوة الإيمان وإرادة السلام. في هذا الوطن الذي احتضن التنوع، يبقى التسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين ليس مجرد قيمة، بل هو جوهر الحياة اليومية وركيزة من ركائز الاستقرار الاجتماعي.
كما أن كل احتفال بهذا العيد هو فرصة لتجديد عهد المحبة والأخوة بين جميع أبناء الوطن، ورسالة للعالم أجمع مفادها أن الدين لا يجب أن يكون سبباً للفرقة، بل هو حافز لتحقيق السلام والوئام بين الجميع. ولعل هذا هو أعظم درس يمكن أن تقدمه المملكة الأردنية الهاشمية للعالم في هذا العصر: أن الإيمان الحقيقي هو الذي يجمع الناس، لا الذي يفرقهم، وأن التسامح هو السبيل نحو عالم أفضل وأجمل.