شجرة الظل وأغصان الحكمة

 

في أعماق النفس، حيث تتشابك جذور الصمت بغصون الفكر، تتكوّن شجرة الظل. تلك الشجرة ليست كأي شجرة؛ فهي تثمر الحكمة حين تجف منابع القول، وتسكنها الطيور حين تهاجر الأعين عن رؤية الحقيقة. تحت ظلها، نجد أنفسنا نبحث عن المعاني المخبأة في زوايا الزمن، ونفتش بين أوراقها عن قيم تاهت وسط صخب الحياة.

أيها السائر في طرقات الوجود، تأمّل شجرة الظل التي تنمو داخلك. هل رأيت كيف تشتد عروقها كلما اخترت الصبر على الألم؟ وكيف تتلون أوراقها كلما أضفت إلى روحك قيمة جديدة؟ إن الحكمة ليست كلمة تُقال، بل تجربة تُعاش، وسر يبوح به الزمان لمن يستحق.

الحياة ليست إلا لوحة متقنة من التناقضات؛ السعادة لا تُرى إلا في عيون الحزن، والقوة لا تُدرك إلا في حضرة الضعف. كل قيمة عظيمة تحتاج إلى نقيضها لتضيء بريقها الحقيقي، فتتعلم من ذلك أن العمق لا يكمن في جمال السطح، بل في قبح التحدي الذي تشققت فيه الجدران حتى ظهر النور.

واقول انا
“> قد ينكسر الغصن فتزهر حكمة
كأنّ الشوك يطوي سرّ الوردة
> وفي السقوط دربٌ نحو قمّةٍ
من يسلك الظلّ يعرف الشمس بعده”

 

أيها القارئ، لا تستهِن بفوضى حياتك؛ في كل خطوة عشوائية حكمة مخبأة، وفي كل طريق مغلق بابٌ يؤدي إلى درب أوسع. عش بحكمة الغصن، وجمال الوردة، وصلابة الجذور التي لا تهتز حتى أمام أعتى الرياح.

بقلم: د. عمّار محمد الرجوب