لم يعد في غزة مداخن حتى يدخل منها بابا نويل، فقد تهدمت، ولن تستطيع غزلانه أن تحمله في سماء غزة، فهي مكتظة بطائرات “كواد كابتر” التي تطارد الحياة، وتلقي بالموت على رؤوس الأطفال، إذا انتظمت صفوفهم أمام إناء حساء أو عين ماء فقيرة.
وما غزة إلا مرآة تعكس مآسي الشرق الأوسط الجديد، حيث يتقاطع القهر اليومي مع المشاريع الكبرى التي ترسم ملامح المنطقة بدماء الأبرياء.
وإن ساقته إلى غزة إحدى عجائب الأمم المتحدة كرسول سلام، فلن يستطيع أن يعيد كل الفرح الذي يحمله في كيس هداياه بسمة طفل فقد والديه.
في مشهد يومي غريب وشاذ، ترى شبحًا يقود قراصنة في سماء غزة، يركب مكنسة ويرتدي رداءه الأسود، كما تفعل الساحرات، -وإمعانًا في عبثه- يلبس قبعة حمراء، يشير بيده يمينًا ويسارًا وأفراد عصابته توزع بُقج الحزن الملتهبة على الخيام وعلى الأطفال في العراء، يباغتهم وهم يلعبون بالمقذوفات الفارغة. ذاك نتنياهو يلهو بأسلحته، رمزًا لنهج عالمي باتت عبثيته تؤجج الصراعات من بيروت إلى صنعاء، دون اعتبار لحياة البشر أو آمالهم.
ولكن حتى في هذا العبث، يضحك الأطفال، يلاحقون “بابا نويل” الغزٌي الذي يركب بغلاً ويحمل في عربته الأمل يغني للوطن وللشهداء، يوزع على الأطفال ما يلتقطه بين الردم من ذكريات. فالبحر محاصر، والسماء والأرض في حصار، فمن أين يأتي بالفرح؟
لا أشك أن القديس نيكولاس كان ثائرًا ليخرج لنا بشخصية بابا نويل، ليثور على الفقر الذي هو بعض القهر. فكيف بأبناء غزة والقهر خبز كفافهم! بل إن القهر امتد دخانه من بيروت إلى صنعاء!
وفي خضم هذا الواقع المشحون، تتزايد الحاجة إلى تفسير ما يجري، وهو ما يدفع البعض إلى الالتفات نحو الخرافات والكتب التي تدعي علم الغيب. ترى، ماذا يحمل لنا العام الجديد في سياق الشرق الأوسط الجديد؟ هل نحن على أعتاب حرب جديدة تعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية، أم أن السلام المرحلي سيكون سيد الموقف لفترة قصيرة قبل عودة التوترات؟ هل ستظل المنطقة رهينة الفوضى والصراعات الداخلية، أم أن الاستقرار الاقتصادي والسياسي قد يلوح في الأفق؟ ومع تسارع الأزمات العالمية، هل هناك خطر لجائحة جديدة أو انهيار اقتصادي يضاف إلى تحدياتنا القائمة؟ وما الذي تبقى في صندوق “باندورا” من كوارث قد تغير مسار الأحداث؟ أم أن الأمل، الحبيس منذ أمد بعيد، قد يجد طريقه للخروج ليعيد لنا إيماننا بمستقبل أفضل؟
لكن، في مواجهة هذا الواقع العبثي، لا يكفي أن نغرق في خرافات الماضي، بل يجب أن تستيقظ الشعوب لتمارس دورها في رسم مستقبلها بعيدًا عن أوهام السحر والانتظار.
هل يكشف لنا النظر في كتاب نبوءات “نوستراداموس”؟ أم كتاب الجفر حبرًا؟ هل وصفت تلك الكتب شرقًا أوسطيا جديدًا؟ أو مسخًا مثل ذلك؟
أم هو محض خيالات مريضة بدرت عن عقلية مصابة بجنون العظمة ترى أنها امتلكت نصاب القوة والحكمة والكهنوت، تمثلت بشخصيات نتنياهو أو ترامب أو قد تأتي به إحدى الجميلات تسير هفهافة بالطيب والحرير على البساط الأحمر؟
هل أن وقع الصدمة حال حدوث مصيبة الحرب وعبثية القتل تعبث في مشاعرنا وتثير مخاوفنا، ويُلجئنا للبحث في كتب تدعي علم الغيب وأخبار الزمان للبحث عن مخرج؟ أم أن هناك تجار يبيعون الأوهام مثل تجار الحبوب المهلوسة ينشطون في وجه التغيير لإثارة البلبلة والاختلاف، فينشغل الناس بأسماء شخصيات وهمية كـ”صادم” و”السفياني” و”المنتظر”، ولا ينظر أحد إلى الفضاء ليتحقق من الذي يلقي القنابل؟
للخرافات أثر كالأفيون، فما زالت الخرافة التي أثار بها الإسكندر الأكبر حروبه على أنه ابن الإله “زيوس” فعالة لكنها تغير لباسها حسب ثقافة الشعوب وفي أي البلاد!
لكن، هل سيكون للإنسان العربي في إقليمنا دور واع يواجه به المخاوف والكوارث والحروب؟ دور ينبثق منه الأمل وروح الثورة والعمل، شعاره: “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون”، ولا ينتظر أن يخرج له المارد من قمقم ليخلصه؟
وهل ستلد أحداث المنطقة قديسًا آخر -سمه ما شئت- وبدل أن يوزع السكاكر على الأطفال يوزع النقمة على الطغاة؟ فليحذر الشيطان الأكبر، فقد ينقلب سحره عليه.
أيها العام الجديد، ننتظر مسراتك على حذر!
سعيد ذياب سليم