تندر الناس على مشروع الباص السريع في ذكرى مرور 11 عاماً على وضع رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي حجر الأساس للبدء بأعماله.
طبعا لا يخلو الاستذكار من غمز متعمد، ومحاولات لتصيد الرفاعي الذي اختاره الملك رئيساً للجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، ولا يبتعد الأمر عن التذكير بعبث التخطيط والعمل لمشاريع النقل العام، فالمشروع ما زال يسير كالسلحفاة، يتعثر كثيراً، ولم يصل حتى الآن لنقطة الانطلاق.
مشروع الباص السريع ربما ليس الحل الأمثل لحل مشكلات النقل العام في بلادنا، ولكنه خطوة في الاتجاه الصحيح لتطوير منظومة النقل، وسنحتاج مشاريع أخرى تدعمه، وتغذيه ليصبح في الأردن شبكة نقل عام حضارية وعصرية.
تعرض مشروع الباص السريع لحملات تشكيك، واتهامات بالفساد، وذهب أمين عمان الأسبق عمر المعاني ضحية له، وتحول المشروع برمته لكبش فداء، وقدم قربانا خلال احتجاجات الربيع العربي 2011.
من المفترض بعد كل هذا المخاض الطويل ان يبدأ الباص السريع في العمل قريباً، وننتظر أن نرى أثره على حركة المرور، ومدى استخدامه من قبل عامة الناس، وإلى أي درجة يوفر حلولاً حضارية للنقل تشجع الأفراد على استخدامه؟
بالتأكيد لن يحل الباص السريع مشكلة النقل العام في بلادنا بين ليلة وضحاها، فعقود من الإهمال، والإرتجال، وترحيل مشكلات النقل العام قادتنا إلى ما نحن عليه، فواقع النقل العام في الأردن في الثمانينيات من القرن الماضي كان أفضل منه الآن، فقد كان «السرفيس» يستخدم على نطاق واسع، ويلجأ له الجميع، ويعبر عن سلوك اجتماعي متحضر.
اليوم أصبح واقع النقل العام مخجلاً، ولنا في باصات «الكوستر» نموذجاً، فالنقل العام عدا عن قلة كفاءته، وخطره المروري فهو مكلف.
يقاس تطور المدن بكفاءة النقل العام، وهو ركيزة لتحقيق التنمية الاقتصادية والسياحية، وتحسين الواقع البيئي، وتقليل مخاطر التلوث.
لن ينجو الأردن من الأزمات دون وضع تصور استراتيجي مرتبط بإطار زمني لبناء شبكة نقل عام تساعد على حركة الناس، وتربط المدن بشبكة قطارات آمنة، وسريعة، واقل كلفة من استخدام السيارات.
لو استثمرت الحكومات المتعاقبة منذ عقود في تأسيس شبكة «مترو الأنفاق» لما اختنقت شوارع عمان، ولما أصبحت أزمات المرور تستنزف وقتنا وجهدنا ومواردنا، ولكن الحكومات بعبثها وفساد بعضها انفقت المليارات، وضاعفت مديونيتنا دون أن تصنع مشروعاً استراتيجياً مثل مترو الأنفاق يبقى شاهداً على نهضة حقيقية.
ستبقى عمان تحتاج رغم مشروع الباص السريع الى مترو تحت الأرض أو فوق الأرض يربط أحياءها وشوارعها، ويدفع الناس للاستغناء عن سياراتهم في تنقلهم، ويضبط ايقاع الحياة بشكل سلس.
دبي انجزت مترو فوق الأرض يعتبر نموذجاً ناجحاً بامتياز ويدر دخلاً مالياً وفيراً لحكومة دبي، وقطر فعلت ذات الأمر قبيل انطلاق بطولة كأس العالم، وعلينا أن نملك الشجاعة لنفعل ذلك، فهو أكثر جدوى من الكثير من المشاريع الفاشلة التي أهدرنا أموالاً عليها.
لا تكتمل القصة بإنجاز «مترو» في المدن المكتظة كعمان والزرقاء واربد، فالأردن في حاجة ماسة لشبكة قطارات تربط بين مدنه، فهل يعقل أن لا يكون هناك قطار يربط بين إربد في الشمال مروراً بجرش، ويكمل إلى العاصمة عمان، متجهاً إلى الجنوب ليتوقف في الكرك والطفيلة ومعان وتنتهي رحلته في العقبة.
لا أعرف ما هو السر الذي منع انجاز مثل هذا المشروع الحيوي، وقد كنا في السبعينيات من القرن المنصرم في بحبوحة اقتصادية، وكان الجميع يساعدنا.
لو كان هناك قطار يربط بين المدن لما انتقل الناس للسكن في عمان، ولظلت المدن عامرة بشبابها وصباياها، ولو كان هناك قطار يقطع هذه المدن لاسهم في تنمية، وحركة اقتصادية تنعشها، ولأصبح الذهاب الى العقبة رحلة ممتعة وليست شاقة.
ذهبت في اجازة العيد بسيارتي الى العقبة، وكنت أتمنى لو كنت جالسا في قطار سريع لأتمتع بمنظر البحر الميت، ووادي الموجب، والجبال التي تطوق البتراء، ولكن كل ذلك يتبدد وأنت تقود سيارتك في طرق متهالكة تفتقر للخدمات، واستراحات لائقة.
باختصار أي تنظير عن الخطط والمشاريع الاستراتيجية دون المباشرة في مشاريع النقل العام كلام فارغ,
الغد