ماذا بعد اعتراف الحكومة بمسؤوليتها؟! .. أسامة الرنتيسي
بعد فاجعة السلط، وخوفا من وقوع فواجع أخرى، لا بد من “تخشين الطحنة”…هذا المصطلح ليس لي بل هو مُلْكٌ للدكتور مأمون عكروش.
استمعت أكثر من مرة إلى اعتذار الحكومة الذي تلاه رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، وراقبت حركة الجسد، ولحظة ذرف الدموع، وحجم الأسى الصادق من القلب والروح.
كما انتظرت لآخر الكلمة والاعتذار وإلاعتراف بتحمل المسوؤلية وإعادتهما أكثر من مرة، على أمل أن يصل الرئيس إلى تحمل المسوؤلية بشكل حقيقي ويعلن أنه يضع استقالته بين يدي جلالة الملك، لكنه لم يفعل.
فهمت بالعمق السياسي الذي أقرأ فيه الخطاب الرسمي أن كلمة الخصاونة فيها نبرة وداع، وتحمل صادق للمسوؤلية التي من المستحيل أن تتبرأ منها حكومة أية حكومة.
لكن بقِيَت جملة الرئيس إن الحكومة تتحمل كافة المسوؤلية ولن تبحث عن مبررات معلقة بانتظار صاحب القرار يبت فيها.
أعلم جيدا أن استقالة الحكومة لن تغيِّر شيئا ما دام تشكيل الحكومات يسير بالنهج ذاته، تكليف شخص والبحث من خلال أصدقائه لتشكيل حكومة جديدة، لكن تكريس مفهوم محاسبة المخطئ خطوة في الاتجاة الصحيح، حتى نصل إلى “تخشين الطحنة”.
السلوك السياسي الشفاف الذي لا تمارسه النخب السياسية الأردنية التي تتبوأ المناصب الرسمية والتنفيذية عبر عشرات السنوات من عمر الحكومات الأردنية، هو الاعتراف بارتكاب الخطأ، والاعتذار للمواطنين عن ارتكابه، والاستئذان بقبول الاستقالة كنوع من العقاب الذاتي الذي يمارســــه ذلك المــــسؤول.
في دول العالم المتحــــضر نقرأ دائمًا عن مســـــــؤولين في مواقـــــــــع متقدمة، يقدمون استقالاتهم مباشرة اذا وقع خطأ ما في المساحات التي تقع ضمن اختصاص عملهم، حتى لو كان خطأ بشريًا من قِبَل أحد الموظفين تحت ولاية عمله، لكننا لا نسمع عن مسؤول او وزير عربي يقدم استقالته كعقاب ضميري عن وقوع خطأ ما ضمن مسؤوليات عمله.
ما وقع في السلط من فاجعة تجاوز وجعها ما وقع في فاجعة البحر الميت، وذلك لأن فاجعة البحر الميت كان فيها عامل مفاجئ من الطبيعة والأمطار غير المتوقعة، أما فاجعة السلط فهناك شبه يقين أن خطأ بشريا كان وراءها.
كم كان وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات شجاعا وهو يعلن مباشرة وأمام عدسات المصورين أنه وضع استقالته على طاولة الرئيس قبل قدومه إلى السلط، متحملا المسؤولية الأدبية والأخلاقية عما حدث.
منذ سنوات والدولة تمارس سياسة ناعمة في مواجهة الأحداث، وثبت أن هذه السياسة لا تنتج شيئا بل ترحّل الأزمات.
الآن؛ بعد أن ثبت أن حالة الترهل والضعف العام في الإدارة هما السبب المباشر فيما وصلت إليه الأحوال في مؤسساتنا ووزاراتنا، والتراجع في القطاعات التي كنا نتفاخر فيها (الصحة والتعليم)، لا بد من “تخشين الطحنة” والبحث عن المناسب في المكان المناسب بشكل حقيقي.
يكفي استحضار العلبة ذاتها، ويكفي حالة التدوير في المناصب، وتكفي التزكيات التي لا تفلح عند الغارة، علينا أن نضع مدماكا صحيحا في الإصلاح، وقبل أن نذهب إلى الإصلاح السياسي الشامل لنبدأ بالإصلاح الإداري والعدالة والمواطنة الحقة قبل أن تتفكك المنظومة كلها.
الدايم الله….