خاطره حول معنى القلب والفؤاد في القرآن الكريم.. الصيدلاني شادي شفيق عبيدات

( المرجع: العلاج السلوكي المعرفي CBT)
في القرآن الكريم، يتجلى مفهوم القلب والفؤاد في أدوار متكاملة تعكس طبيعة النفس البشرية وسلوكها. فالفؤاد هو موطن نشوء الأفكار والإدراك، بينما القلب هو مركز الدوافع والانفعالات والرغبات، وهو الذي يطلق هذه الأفكار إلى الواقع على شكل أفعال وردود فعل. ومن هنا، فإن عمل القلب البيولوجي هو ضخ الدم، فوظيفته تتناسب مع حاجات الإنسان للعيش و للحركة والتفاعل مع البيئة، مما يجعله المحرك الأساسي ( التنفيذي) للسلوك متناغما مع الافكار و المؤثرات الخارجية كانت إيجابية أو سلبية.

فعندما يمتلئ الفؤاد بأفكار سلبية عن المستقبل مثلا ، فإن القلب يترجم هذه الأفكار إلى استجابات جسدية، و يفعلّها مثل تسارع دقات القلب، الشعور بالخوف، أو حتى الرغبة في الهروب. وهذا يعكس العلاقة الوثيقة بين القلب والفؤاد في تشكيل تصرفات الإنسان وردود أفعاله.

القلب كمركز للدوافع والانفعالات في القرآن
يؤكد القرآن الكريم أن القلب هو المسؤول عن إطلاق الدوافع وتنظيم الاستجابات العاطفية والانفعالية. ففي قوله تعالى:

“أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور” (الحج: 46)

نجد دلالة واضحة على أن القلب هو الذي ينظم ردود الفعل، ويترجم الأفكار إلى قرارات وسلوكيات. فإذا تمكن الإنسان من السيطرة على قلبه وعقاله لان العقل في اللغة هو شد الوثاق ، فإنه يستطيع التحكم في أفعاله وتوجيهها بدلاً من أن تكون مدفوعة بالرغبات والعواطف غير المنضبطة. وهنا نفهم ضرورة “عقل القلب” وربطه حتى لا ينطلق في رغباته دون وعي أو تمييز.
و العمى في القلوب هو تصرف غير منتظم و لن تستطيع عقله لانه القلوب عُميت ( لا يصلها التفكر و الرؤية )عن تنفيذ الصواب و الحقيقة

وفي قوله تعالى:

“لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها” (الأعراف: 179)

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَىٰ فَارِغًا ۖ إِن كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَىٰ قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)القصص

يظهر هنا أن القلب اذا ما فعّل الفكر و اطلقه للممارسة و التطبيق، سيصبح هو موطن الفقه( فبدون ممارسة العلم يصبح مجرد افكار تجوب في داخل ( الفؤاد) )،القلب يفتح باب القدرة على ممارسة العلم وتطبيقه، وليس مجرد امتلاكه نظريًا. فالله لم يقل “لهم قلوب يعلمون بها”، لأن الفقه ليس مجرد معرفة نظرية، بل هو ممارسة وتطبيق للعلم في الواقع، بينما الفؤاد هو منبع الأفكار والمعرفة المجردة.

القلب كمصدر للثبات والاطمئنان
يتجلى دور القلب في القرآن الكريم أيضًا في تحقيق الثبات والطمأنينة عند مواجهة التحديات، كما في قوله تعالى:

“إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا، سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب” (الأنفال: 12)

وقوله تعالى:

“وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض” (الكهف: 14)

فربط القلب هنا يشير إلى تعزيز الثبات والطمأنينة، مما يدل على أن القلب هو الذي يتحكم في ردود فعل الإنسان الجسدية تجاه المواقف الصعبة، سواء كانت بالخوف والقلق أو بالقوة والسكينة.
يتضح من الآيات السابقة أن القلب في القرآن ليس مجرد عضو مادي، بل هو مركز المشاعر، ومصدر الدوافع، ومحرك الأفعال. فهو الذي يعقل، ويفقه، ويثبت، ويرتجف، وهو الذي يتحكم في سلوك الإنسان بناءً على ما يختمر من أفكار ومعتقدات. ومن هنا تأتي أهمية تربية القلب وترويضه ليكون مصدرًا للسلوك الواعي والمسؤول، مما يؤدي إلى صلاح الأفعال، واستقامة النفس، وسعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.