يمر الأردن بمرحلة دقيقة تتداخل فيها التحديات الاقتصادية الضاغطة مع المتغيرات السياسية الإقليمية والدولية خاصة في ظل عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض لولاية ثانية.
ومع تزايد الضغوط الخارجية على المملكة، لا سيما فيما يتعلق ببعض القضايا الإقليمية الحساسة مثل قضية اللاجئين الفلسطينيين وسط مساعٍ لإعادة تشكيل المشهد الجيوسياسي في المنطقة.
في هذا السياق يواجه الأردن تحديات اقتصادية معقدة، حيث تجاوز الدين العام حاجز الـ110% من الناتج المحلي الإجمالي في وقت تشهد فيه معدلات البطالة ارتفاعًا ملحوظًا، خاصة بين فئة الشباب؛ ويرجع ذلك إلى تراكمات اقتصادية ممتدة على مدى سنوات، زاد من حدتها تراجع المساعدات الخارجية التي كانت تشكل أحد مصادر الدعم الأساسية للاقتصاد الأردني.
ونتيجة لذلك لجأت الحكومة إلى تنفيذ سياسات إصلاحية ضمن برامج اقتصادية تهدف إلى ضبط الإنفاق وتحقيق الاستدامة المالية، إلا أن تأثيرها على المستوى المعيشي للمواطنين شكل تحديًا إضافيًا.
على الصعيد السياسي يواصل الأردن دوره الإقليمي المتوازن، حيث يسعى للحفاظ على استقراره الداخلي وحماية مصالحه الوطنية في ظل المستجدات الإقليمية. وتُطرح في هذا الإطار بعض المشاريع التي قد تؤثر على التوازنات الديموغرافية والسياسية في المملكة مما يفرض على القيادة الأردنية اتخاذ مواقف واضحة للحفاظ على الهوية الوطنية الأردنية ومصالح الدولة العليا.
وقد أكد الأردن موقفه الثابت إزاء القضية الفلسطينية، مشددًا على ضرورة الوصول إلى حل عادل وشامل يحفظ حقوق الشعب الفلسطيني، بعيدًا عن أي ترتيبات يمكن أن تمس التركيبة السكانية للمملكة. ويأتي هذا في إطار التزامه التاريخي بدعم الحقوق الفلسطينية مع الحرص على عدم التأثير على أمنه واستقراره الداخلي.
في ظل هذه الظروف، تبدو الحاجة ملحة لتبني استراتيجيات اقتصادية فعالة تعتمد على تنويع مصادر الدخل وتشجيع الاستثمار وتعزيز بيئة الأعمال بما يساهم في خلق فرص عمل جديدة، فضلًا عن تبني إصلاحات تعزز الشفافية وتحفز النمو الاقتصادي المستدام.
أما على المستوى الداخلي، فإن تعزيز الحوار الوطني وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية من شأنهما أن يساهما في تقوية الثقة بين الدولة والمجتمع، مما يرسخ الاستقرار ويضمن مواجهة التحديات بروح من التكاتف الوطني. كما أن الانفتاح على الشراكات الاقتصادية مع قوى دولية متعددة يمكن أن يساعد في تقليل الاعتماد على مصادر محددة للدعم المالي، وهو ما قد يمنح الأردن مساحة أوسع للتحرك وفق أولوياته الوطنية.
رغم التحديات أثبت الأردن على مر العقود قدرته على التكيف والصمود في مواجهة الأزمات، مستندًا إلى إرث سياسي راسخ ومؤسسات قوية ووعي مجتمعي عميق بأهمية الحفاظ على استقرار الوطن.
ومع رؤية واضحة وإصلاحات مدروسة، يمكن للمملكة أن تعبر هذه المرحلة بنجاح، متجاوزة العقبات الاقتصادية والسياسية، ومؤكدة على مكانتها الإقليمية كلاعب أساسي في أمن واستقرار المنطقة.