الدكتور موسى الطريفي
تتسبب المخدرات في تحديات صحية واجتماعية جمة للمجتمعات، مما يستدعي استجابة فعالة من خلال تبني استراتيجيات وقائية حديثة ومبنية على الأدلة العلمية، وفي هذا السياق، تتبنى الجمعية الأردنية لمكافحة المخدرات (TJADS) نهجاً شاملاً للوقاية، يدمج بين التوعية والتكنولوجيا والتدخلات المبكرة، مع التركيز على تفعيل دور الأسرة والمجتمع في جهود المكافحة.
تشمل الاستراتيجيات الحديثة للوقاية من المخدرات مجموعة متنوعة من البرامج التي تستند إلى الأدلة العلمية وتستهدف الشباب بشكل خاص، ومن بين هذه البرامج، تبرز برامج المهارات الحياتية، مثل برنامج “Life Skills Training”، الذي يزود الشباب بالمهارات اللازمة لمواجهة تحديات الحياة واتخاذ قرارات مستنيرة، كما تشمل هذه الاستراتيجيات برامج التعلم الاجتماعي والعاطفي، مثل برنامج “Good Behavior Game”، الذي يركز على تحسين مهارات التواصل وتعزيز القدرة على مقاومة السلوكيات الخطرة.
وفي ظل الانتشار الواسع لوسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت التكنولوجيا أداة أساسية في جهود التوعية التي تقودها الجمعية الأردنية لمكافحة المخدرات، وتشمل هذه الجهود استخدام الذكاء الاصطناعي لرصد وتحليل أنماط السلوك عبر الإنترنت، مما يساعد في اكتشاف الحالات المعرضة للخطر في وقت مبكر، بالإضافة إلى ذلك تقوم الجمعية بتنظيم حملات توعوية رقمية عبر منصات مثل TikTok وInstagram للوصول إلى الشباب بأساليب تفاعلية ومبتكرة، كما تقوم بإطلاق تطبيقات متخصصة تقدم استشارات نفسية ومعلومات تثقيفية حول المخدرات وأضرارها.
تركز استراتيجية الوقاية المجتمعية على بناء بيئة داعمة تسهم في تقليل احتمالية تعاطي المخدرات، ويتحقق ذلك من خلال تعزيز القوانين والسياسات التي تحد من انتشار المخدرات، وزيادة الرقابة على الصيدليات والمواد المخدرة، كما يشمل ذلك دعم الأنشطة الرياضية والثقافية التي توفر للشباب بدائل إيجابية وتشجعهم على استغلال أوقاتهم بشكل مثمر، بالإضافة إلى ذلك يتم تفعيل دور الأسرة والمجتمع في جهود الوقاية، عبر تقديم برامج تدريبية للأهل لمساعدتهم في التعامل مع المراهقين وحمايتهم من المخدرات.
تبذل الجمعية الأردنية لمكافحة المخدرات جهودًا حثيثة لنشر الوعي حول مخاطر المخدرات في كل من المؤسسات التعليمية وأماكن العمل. ففي المؤسسات التعليمية، تعمل الجمعية على تنفيذ برامج “مدارس خالية من المخدرات” بالتعاون مع الجهات التعليمية المختصة، وذلك بهدف تثقيف الطلاب وتوعيتهم حول المخاطر الجسيمة المرتبطة بتعاطي المواد المخدرة بأنواعها المختلفة، أما في أماكن العمل فتقوم الجمعية بتنظيم ورش عمل تدريبية تستهدف تدريب الموظفين وتزويدهم بالمهارات اللازمة للتعرف على العلامات والأعراض التي تشير إلى تعاطي المخدرات، وتمكينهم من اتخاذ الإجراءات الوقائية المناسبة للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.
تُعد الصحة النفسية حجر الزاوية في الوقاية من تعاطي المخدرات، حيث تلعب دورًا محوريًا في حماية الأفراد من اللجوء إلى المخدرات كوسيلة للهروب من ضغوط الحياة. وفي هذا السياق، تعمل الجمعية الأردنية لمكافحة المخدرات على توفير خدمات استشارية ودعم نفسي متكاملة، تهدف إلى مساعدة الأفراد على مواجهة التحديات والتغلب على الصعوبات بطرق صحية، كما تقوم الجمعية بتنفيذ برامج العلاج السلوكي المعرفي (CBT) التي تُساهم في تعزيز القدرة على مواجهة المشكلات بطريقة إيجابية بعيدًا عن تعاطي المواد المخدرة.
تؤمن الجمعية الأردنية لمكافحة المخدرات بأهمية التعاون الدولي في مواجهة تحدي المخدرات، لذلك تحرص على بناء شراكات استراتيجية مع مختلف الدول والمنظمات الدولية لتبادل الخبرات وتطبيق أفضل الممارسات في مجال الوقاية، وتسعى الجمعية من خلال هذا التعاون إلى الاستفادة من التجارب الناجحة للدول الأخرى في مجال مكافحة المخدرات، والمشاركة الفعالة في المبادرات العالمية، مثل استراتيجية الأمم المتحدة للوقاية من تعاطي المخدرات، التي تركز على الاستثمار في الوقاية كحل مستدام للحد من انتشار هذه الظاهرة.
تلتزم الجمعية الأردنية لمكافحة المخدرات بتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وتعتبر الوقاية من المخدرات جزءًا لا يتجزأ من هذه الجهود، وتسعى الجمعية لتحقيق ذلك من خلال عدة مسارات، بما في ذلك تعزيز برامج التوعية في المدارس لتحقيق هدف “جودة التعليم” (الهدف 4)، ونشر الوعي بأهمية العيش بأسلوب حياة صحي لتحقيق هدف “الصحة الجيدة والرفاه” (الهدف 3)، والحد من العوامل التي تؤدي إلى انتشار المخدرات للمساهمة في بناء “مجتمعات آمنة” (الهدف 16).
ختامًا، لا يمكن إنكار أهمية تبني استراتيجيات حديثة وفعالة للوقاية من المخدرات، فالجمعية الأردنية لمكافحة المخدرات من خلال تطبيق هذه الاستراتيجيات، تسعى إلى بناء مجتمع أكثر وعيًا وأمانًا، خالٍ من آفة المخدرات، وقادر على حماية أفراده من الوقوع في دائرة الإدمان، وتؤكد الجمعية على أن الوقاية من المخدرات مسؤولية مجتمعية تتطلب تضافر الجهود بين الجميع.