كيف يمكن جذب مزيد من الاستثمارات الأوروبية؟

في ظل مشهد “فوضوي” فرضته السياسات الاقتصادية الأميركية الجديدة على خريطة العالم، وفيما يعد الأردن واحدا من الشركاء الإسترايتجيين لـ”القطب الأميركي”، تتجه الأنظار نحو التحديات الاقتصادية المحلية والإقليمية وتزايد الضغوط المالية والاقتصادية المحلية.

وباتت التساؤلات تطرح بكثرة حول قدرة الأردن على تنويع موارده الاقتصادية وتوسيع خياراته التمويلية، خاصة مع تلميح “الشريك الأميركي الإستراتيجي”  بتقليص المساعدات التي تتخطى 1.6 مليار دولار سنويا، فكيف يمكن للأردن أن يجد في الشريك الأوروبي مخرجا من حالة الطوارئ التي قد يفرضها الواقع الجديد، لا سيما بعد قرار فرض الرسوم الجمركية الأميركية على قائمة طويلة من الشركاء من بينها الأردن التي وصلت نسبتها إلى 20 %.

وثمة تساؤلات حول قدرة الأردن على تعزيز جاذبيته الاستثمارية أمام أوروبا؟ وما البدائل التي يمكن أن يعتمدها لتوسيع خياراته الاقتصادية في ظل التراجع المحتمل للمساعدات الخارجية؟

يؤكد خبراء اقتصاديون، أن الفرصة مواتية لاستفادة الاقتصاد الوطني الاتحاد الأوروبي عبر الوصول لمصادر التمويل، وتعزيز جاذبيته للاستثمارات الأوروبية، التي يمكن لها المساهمة في الخطط الاقتصادية والتنموية في المملكة.

ويرى هؤلاء الخبراء أن الانفتاح الأردني المستمر على أوروبا، والذي توج أخيرا باتفاقية الشراكة الأضخم بين الطرفين، إضافة إلى فلسفة المنح والمساعدات الأوروبية التي تقدم لدول على شكل استثمارات عادة، يمكن لها أن تلعب دورا في سد أي فراغ في المنح والمساعدات التي اعتاد الأردن أن يحصل عليها.

ويشير الخبراء إلى أن الموقع الإستراتيجي للأردن، واستقراره السياسي، وشبكة اتفاقياته التجارية المتعددة والبنية التحتية المتطورة لديه، يمكن لها المساعدة في جعله بوابة استثمارية واعدة للشركات الأوروبية.

وكان البرلمان الأوروبي أخيرا، أعلن موافقته على تقديم قرض مالي جديد للأردن بقيمة 500 مليون يورو، في إطار برنامج المساعدة المالية الكلية (MFA)، ومن المتوقع أن تقدم  المفوضية الأوروبية  في المرحلة المقبلة مقترحا للحزمة الإضافية للأردن بقيمة 500 مليون يورو، لتصل القيمة الإجمالية المقدمة للمملكة ضمن هذا الإطار إلى مليار يورو للأعوام 2025-2027.

وتأتي الموافقة على تقديم القرض بعد شهرين فقط ، من توقيع اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الأردن والاتحاد الأوروبي، والتي تتضمن تقديم حزمة من المساعدات المالية للأردن بقيمة 3 مليارات يورو للأعوام 2025 – 2027، تتضمن منحا بقيمة 640 مليون يورو، واستثمارات بحجم 1.4 مليار يورو، ومخصصات لدعم الاقتصاد الكلي تقدر بنحو 1 مليار يورو.

النشاط الاستثماري الأوروبي في الأردن بلغة الأرقام

ارتفع إجمالي الاستثمارات التي ضخها البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية “EBRD” في الأردن خلال العام الماضي إلى169 مليون يورو مقارنة مع 62 مليونا في العام قبل الماضي، وفق ما أظهر تقرير البنك السنوي للعام 2024 الخاص بمنطقة جنوب وشرق المتوسط.

 

وينشط البنك في الأردن منذ العام 2012، واستثمر أكثر من 2.213 مليار يورو في أكثر من 74 مشروعا على مدار السنوات الماضية، ويقدر حجم محفظة المشاريع الحالية للبنك في المملكة بـ1.047 مليار يورو، منها ما يناهز 768 مليون يورو أصولا تشغيلية، وتصل حصة القطاع الخاص الأردني في هذه المحفظة إلى ما نسبته 57 %، فيما تبلغ أعداد مشاريع المحفظة النشطة حاليا 58 مشروعا.

يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي يعد من أكبر الشركاء التجاريين للأردن، حيث بلغ إجمالي حجم التجارة بين الطرفين حوالي 4.6 مليار يورو عام 2023.

الشراكة الأردنية الأوروبية.. بوابة لتنويع الاقتصاد وتعزيز الاستثمارات

قال عضو مجلس إدارة جمعية الأعمال الأردنية الأوروبية (JEBA) محمد الصمادي “الثقة الأوروبية بالأردن تتجلى في استمرار الاتحاد الأوروبي في تقديم الدعم المالي والاستثماري المباشر، حيث بلغت المساعدات المالية المقدمة للأردن من الاتحاد الأوروبي خلال العقد الماضي أكثر من 5.5 مليار يورو، موزعة على مشاريع تنموية ودعم اقتصادي وتمويل مباشر للميزانية العامة”.

 

واعتبر الصمادي أن الانفتاح الأردني المستمر على أوروبا، والذي توج أخيرا باتفاقية الشراكة الأضخم بين الطرفين، سيلعب دورا في سد أي فراغ في المنح والمساعدات التي معتاد أن يحصل عليها الأردن، حيث تركز الاتفاقية على تحفيز الاستثمار والتجارة بدلا من الاعتماد على المساعدات المالية المباشرة، مما يساعد الأردن في بناء اقتصاد أكثر استدامة وقدرة على تمويل نفسه ذاتيا من خلال الاستثمارات والشراكات طويلة الأمد.

وشدد الصمادي على أن نجاح اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الأردن والاتحاد الأوروبي التي تمثل تحولا جوهريا في العلاقات الثنائية، في تحقيق التنمية الاقتصادية في المملكة، تتطلب من الحكومة التوسع في الإصلاحات الاقتصادية خاصة المتعلقة ببيئة الاستثمار والأعمال.

وأكد الصمادي أن اتفاقية الشراكة الإستراتيجية الأردنية الأوروبية التي وقعت مطلع العام الحالي، ستفتح المجال أمام الاستثمارات الأوروبية في دخول السوق الأردنية، حيث من المتوقع أن تسفر اتفاقية الشراكة في زيادة وتيرة الاستثمارات الأوروبية في المملكة، إضافة إلى فتح الأسواق الأوروبية للصادرات الأردنية.

الصادرات الأردنية إلى أوروبا: نمو متوقع بنسبة 30 % خلال خمس سنوات

وأوضح الصمادي، أن المرحلة المقبلة ستشهد نموا واضحا في حجم الصادرات الأردنية إلى الأسواق الأوروبية، إذ من المأمول أن تنمو الصادرات الأردنية إلى أوروبا بنسبة 20-30 % خلال السنوات الخمس القادمة، خاصة مع تحسين شروط التجارة وتبسيط قواعد المنشأ للصادرات الأردنية، حيث ستصل حجم الصادرات الوطنية إلى بروكسل لنحو 750-800 مليون يورو خلال السنوات الثلاث القادمة، صعودا من 530 مليون يورو في عام 2023، مما يعزز القطاعات الصناعية والزراعية الأردنية.

 

وبين الصمادي أن المرحلة المقبلة ستشهد تدفقا لاستثمارات أوروبية جديدة للأردن من خلال اتفاقية الشراكة، ومن المتوقع  أن تساهم الاتفاقية في خلق أكثر من 50 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، خاصة في القطاعات الصناعية والخدمية، عدا عن إطلاق برامج تدريبية وتأهيلية للشباب الأردني بالشراكة مع المؤسسات الأوروبية.

وأشار الصمادي إلى أن الاستثمارات الأوروبية في الأردن، يمكن لها المساهمة في تحسين البنية التحتية ودعم المشاريع التنموية، حيث يعتزم التكتل الأوروبي استثمار أكثر من 1.2 مليار يورو في مشاريع المياه والطاقة المتجددة والنقل، ما يسهم في تعزيز الاستدامة وتحسين الخدمات الأساسية، فضلا عن تعزيز قطاع الطاقة وتقليل الاعتماد على المصادر التقليدية، ورفع نسبة الطاقة المتجددة في الأردن إلى 50 % بحلول عام 2030، مقارنة بـ26 % حاليًا.

دور الحكومة في تهيئة المناخ الاستثماري لجذب الشراكات الأوروبية

الخبير في الاقتصاد الدولي زياد الرفاتي أكد أن الفرصة مواتية لاستفادة الاقتصاد الوطني من مستوى العلاقات الطويلة والعميقة بين الاتحاد الأوروبي والأردن، من خلال استقطاب الاستثمارات الأوروبية التي يمكن لها المساهمة في الخطط الاقتصادية والتنموية في الأردن، وهو ما تركز عليه دائما الجهود الملكية والتي أثمرت أخيرا عن اتفاقية الشراكة غير المسبوقة بين بروكسل وعمان.

 

ويرى الرفاتي أن المملكة يمكنها تنويع خياراتها الاقتصادية وخاصة الوصول إلى مصادر التمويل، إضافة إلى تعزيز جاذبيتها الاستثمارية أمام دول الاتحاد الأوروبي، من خلال الاستمرار في مواصلة بناء اقتصاد منيع ومستدام بتخطيط إستراتيجي وشمولي، داعم لتحقيق التنمية والرؤى الإستراتيجية للاقتصاد الوطني وفي مقدمتها رؤية التحديث الاقتصادي.

وبحسب الرفاتي فإن تحقيق ما سبق يتطلب من الحكومة، تهيئة المناخ الاستثماري وبيئة الأعمال وجذب الاستثمارات وتعزيز الشراكات مع القطاع الخاص الأجنبي، وإقامة المشروعات التنموية والإستراتيجية في قطاعات المياه والطاقة والتكنولوجيا وريادة الأعمال والتنمية البشرية والاقتصاد الأخضر وتحفيز النمو وتوفير فرص العمل.

وأشار الرفاتي إلى أن من شأن ذلك، أن يفتح آفاقا أوسع للأردن للتعاون مع المجموعة الأوروبية في المجالات السياسية والأمن والدفاع والاقتصاد والاستثمار والتجارة وتحفيز استثمارات القطاع الخاص الأجنبي واكتشاف فرص تجارية، مما يساعد الاقتصاد الوطني على تعزيز قدراته المستقبلية في الاعتماد على الذات.

المساعدات الأوروبية.. استثمار مستدام

بدوره اعتبر أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك قاسم الحموري، أن الاعتبارات السياسية الأوروبية بعد تبدل الموقف الأميركي عالميا من الحلفاء وفي إعادة تقييمه لشكل العلاقات الاقتصادية مع دول العالم، دفع الاتحاد الأوروبي إلى التحرك في بعض مناطق العالم لسد الفراغ الأميركي، وهو ما يمثل لنا أردنيا فرصة ثمينة لتنويع خياراتنا الاقتصادية وحاجاتنا التمويلية خلال المرحلة المقبلة.

 

وأكد الحموري أن آلية المساعدات الأوروبية التي تقدمها للدول سواء على شكل منح أو مساعدة، تتمتع بميزة جيدة تتمثل في تنشيط البيئة الاستثمارية في الدول التي تحصل عليها، حيث إنها عادة ما تقدم على شكل استثمارات، وهو ما يمكن لنا أردنيا من الاستفادة منها وتحويلها لاستثمارات مستدامة.

وأشار الحموري إلى أن الموقع الإستراتيجي للأردن وقربه من الاتحاد الأوروبي، واستقراره السياسي، وتمتعه بشبكة من الاتفاقيات التجارية المتعددة التي تتيح وصولا ميسّرا إلى أسواق الشرق الأوسط وآسيا، يوفر لاقتصادنا بيئة استثمارية مشجعة، داعيا في هذا الصدد الحكومة إلى تكثيف جهودها لاستقطاب الاستثمارات الأوروبية المباشرة.الغد