زياد الرفاتي
في اطار الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس الأميركي على الشركاء التجاريين بفرض رسوم جمركية على الواردات منها .
أعلن الرئيس ترمب فرض رسوم جمركية على البضائع والسلع الصينية الواردة الى الولايات المتحدة بنسبة 20% في العاشر من شباط الماضي ولم ترد الصين على هذا الاجراء برسوم مصادة ، تبعه في الثاني من نيسان الجاري بالرفع بنسبة 34% لتصبح 54% لترد عليه الصين فورا برسوم انتقامية بنسبة 34% على كافة السلع الأميركية الداخلة اليها وأثار الرد الصيني غضبا أمريكيا رغم تحذيرها الى الصين بعدم التصعيد وأن فرضها نسبة 34% على السلع الأميركية سيقابل بفرض رسوم جمركية أميركية اضافية بنسبة 50% لتصبح 104% دخلت حيز التنفيذ في التاسع من الشهر الجاري ، ولم تنتطر الصين طويلا حتى ردت بفرض نسبة اضافية مماثلة ( 50%) على الولايات المتحدة لتصبح 84% ، وقد أعلن ترمب أن الصين فرضت رسوما جمركية خلافا لتصريحاته وسيفرض قريبا رسوما جمركية على واردات الأدوية من الخارج ويدعو الشركات الصناعية خارج الولايات المتحدة الى الانتقال داخلها لتجنب الرسوم .
أي أصبحت نسبة الرسوم الجمركية الأميركية على الصين في النهاية 104% والرسوم الصينية على أميركا 84% في ملامح حرب تجارية واسعة العين بالعين والرسوم بالرسوم ، فيما ترى الصين أنه لا رابح في الحروب التجارية واذا أصرت أميركا على خوض حرب تجارية فستقاتل حتى النهاية في مواجهة الاجراءات الأميركية وستواصل لتخاذ تدابير حازمة وفعالة لحماية حقوقها ومصالحها المشروعة ، وقدمت شكوى جديدة ضد أميركا لدى منظمة التجارة العالمية وتدعو مواطنيها الى ” تقييم المخاطر ” قبل السفر الى أميركا .
وقد أصبحت السلعة الأميركية التي تدخل الصين بسعر شراء على المستورد 100 دولار يفرض عليها رسوما 104 دولار لتصبح تكلفتها عليه 204 دولار .
وتصف التقارير الاقتصادية أن العالم في ورطة والركود التضخمي قادم و تباطؤ حاد في الاقتصاد وتراجع ايرادات وأرباح الشركات وتراجع الطلب على السلع وتقلص فرص العمل وتسريح العمال والموظفين وارتفاع الأسعار والفائدة وانهيار الأنظمة المالية و الأسواق المالية وأسعار النفط ، و الفاتورة سترتفع على المستهلك الأميركي بشكل أكبر من المستهلك الصيني حيث يعتبر السوق الأميركي من أكبر الأسواق الخارجية للصين ويستورد 70% من حاجاته الاستهلاكية من الصين ، و ترمب يتعامل مع النزاع التجاري كمعركة مفتوحة بلا تسويات ، والتصعيد بين أميركا والصين يعكس سباق ارادات يقوم على من يصمد أكثر لا من يتنازل ، و الحرب التجارية بين البلدين باتت صراعا على الهيمنة لا على التفاهم أو التوازن ، وقضية الرسوم الجمركية تختلف عن أزمة جائحة كورونا التي كانت عالمية وبفعل عوامل خارجية بينما الرسوم يمكن حلها بقرار من الادارة الأميركية التي قرضتها بالتراجع عنها .
وتراجع الدولار أمام اليورو بنسبة 1% مع تصاعد التوترات التجارية ، و ازداد تراجع أسواق الأسهم الأميركية بفعل رسوم ترمب الاضافية على الصين ، وتراجع ثروة ايلون ماسك دون 300 مليار دولار للمرة الأولى منذ خمسة أشهر وعلى خلاف مع مستشار ترمب الاقتصادي حول فرض الرسوم ووصفه بالأحمق ومطالبا ترمب بالتراجع عنها ودعوته لمنطقة حرة مع أوروبا برسوم جمركية صفرية ، بينما وصف المستشار الاقتصادي ماسك بأنه مجمع للسيارات وليس صانعا لها ويستورد أجزاءها من الخارج ويؤمن أن الرسوم الجمركية هي الدرع لأميركا أمام الهيمنة التجارية العالمية .
وانخفضت مؤشرات الأسواق الاسيوية عن ذروتها المسجلة قبل فرض الرسوم متجهة نحو سوق هابطة وخسائر حادة ، وتباينت مؤشرات الأسواق العربية مع ترقب المستثمرين لأثار الحرب التجارية رغم أن التأثيرات أقل ، وشهدت حالة من الخوف المبالغ فيه من المستثمرين الأفراد بالأسواق العربية .
وتتصاعد مخاوف ركود الاقتصاد الأميركي مع تشاؤم 92% من الاقتصاديين بحسب وكالة بلومبيرغ وزيادة احتمال حدوث ركود بالاقتصاد الأميركي وفق جي بي مورغان ، وانخفض سعر صرف اليوان الصيني مقابل الدولار الى أدنى مستوياته منذ الأزمة المالية العالمية في 2008 ، وخفض المركزي الصيني سعر الصرف الى 7،2 يوان مقابل الدولار من 6،8 يوان لتحقيز الصادرات وابقاء المصانع عاملة والحفاظ على العاملين ، وهوت العملة الكورية الجنوبية مقابل الدولار الى أدنى مستوى لها منذ 2009 ، وقفزت عوائد السندات اليابانية لأجل 40 عاما لأعلى مستوى منذ طرحها في 2007 وارتفع الين 1% بفضل الطلب على الملاذات الامنة جراء رسوم ترمب ، وقدمت أندونيسيا تنازلات لأميركا لتجنب رسوم ترمب الجمركية ، وفي المقابل هناك عزوف عن شراء سندات الخزانة الأميركية وقيام الصين بالبيع وتراجع غير مسبوق في عوائد السندات ، .والتحذيرات الاقتصادية من تفاقم رصيد الدين العام الأميركي الذي يتجاوز 36،2 تريليون دولار وعجز الموازنة الذي يغطى بالاستدانة من خلال اصدار السندات الحكومية وهما العاملان الرئيسيان اللذان يخشى ترمب من خطرهما على الاقتصاد الأميركي والنظام المالي العالمي وسعيه للحد منهما وتدفعه الى خفض قيمة الدولار ويشكلان الهاجس أكثر من الرسوم الجمركية والتي تبقى حصيلتها أقل من الزيادة المتسارعة في الدين العام والعجز .
ووجه المركزي الصيني البنوك الكبرى بتقليص مشتريات الدولار .
وحذر البنك المركزي النرويجي من استمرار تقلبات الأسواق المالية في المستقبل ، وخفض المركزي النيوزلندي والهندي الفائدة ربع نقطة مئوية بفعل الرسوم الجمركية و المخاوف من التباطؤ الاقتصادي مع تغيير السياسة النقدية من محايدة الى تيسيرية .
وحسب وزارة الخزانة الأميركية فان كل الخيارات مطروحة بشأن الرسوم الجديدة بنسبة 20% على أوروبا التي تعد ردا مشتركا على الرسوم ، وأن ترمب سينخرط في المفاوضات مع الدول بسبب رغبة تلك الدول في التفاوض لتجنب التصعيد وليس بسبب تقلبات الأسواق ، واذا كانت هناك مقترحات مقبولة فيمكن عقد صفقات .
وتضيف أن لديها أفضلية كبيرة على الصين في حرب الرسوم الجمركية ، والتصعيد الصيني بفرض رسوم مضادة خطأ كبير وأمر مؤسف وستتكبد الصين خسائر جراء رسومها الاضافية ، وأن ازالة أسهم صينية من البورصة الأميركية شيء وارد .
ويرى عولدمان ساكس أن الرسوم الأميركية بنسبة 100% قد تخفض نمو الاقتصاد الصيني بنسبة 2،4% ويتوقع نموه بنسبة 4،5% في 2025 .
وقد فرضت المفوضية الأوروبية حزمة رسوم جمركية مضادة بقيمة 21 مليار دولار على الواردات الأميركية تدخل حيز التنفيذ في الخامس عشر من نيسان الجاري ، ويفضل حلولا تفاوضية للقضايا العالقة مع الولايات المتحدة ويمكن عدم فرض رسوم مضادة على أميركا اذا توصلت الى اتفاق عادل ، وتحذر الصين من تصعيد النزاع التجاري .
كما ردت كندا بفرض رسوم جمركية بنسبة 25% على الواردات من السيارات الأميركية ، واعتبرت الرسوم الأميركية غير مبررة وغير معقولة .
فيما أشارت فرنسا أن أوروبا بحاجة الى رد حازم ومتناسب على الرسوم الأميركية ، ويتوقع وزير المالية الألماني انكماشا طويل الأمد بألمانيا في عام 2025 وخطر الدخول في ركود اقتصادي جديد نتيجة رسوم ترمب الجمركية وهو الثالث على التوالي .
ووفق رئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة وهو مفكر اقتصادي ، فان حق فرض التعرفات الجمركية يعود الى الكونغرس وليس الرئيس حسب المادة الأولى من الدستور الأميركي وليس لدينا حالة طوارئ حتى يلجأ الرئيس الى فرض الرسوم ، و يؤكد على حكم الفرد الواحد وقد تتمكن المحاكم من وضع حد لهذا الأمر بل قد تبدأ الأصوات بالكونغرس بالقول ،ويعنزم الحزب الديموقراطي اثارة الأمر في الكونغلرس والطعن في قرار فرض الرسوم الجمركية .