أسامة الرنتيسي –
كلما وقعت حادثة عرضية في البلاد تقوم الدنيا ولا تقعد، وكأننا دولة هشة لا تحتمل كلمة من فتاة غاضبة، او منشورا على وسائل التواصل، أو هتافًا منزوع الدسم.
لنكن واقعيين؛ إن مخاطر التحشيد والتجييش أعنف كثيرا من العقلانية وترك الأمور للقانون ليأخذ مجراه مهما كان الفعل.
تلفظت فتاة عشرينية في لحظة غضب كلمات مرفوضة من الجميع، فهاج المغرضون تحشيدا، حتى تدخل سياسيون كبار عبر بيانات أو لقاءات متلفزة.
هناك من يريد قطع الألسن، وهناك من يريد إعادة وأد الفتيات، وقد يصل الأمر بالبعض إلى المطالبة بتحويل أوراق الفتاة إلى المفتي.
أخطأت الفتاة في نعتها، فتم تحويلها للقضاء وتوقيفها، وهذا هو دور القانون، فَلِمَ التحشيد والتجييش، وتحويل صورة الفتاة إلى ترند في السوشيال ميديا بأشكال حاولت تبشيعها بطريقة لا يمكن تحملها، بعد أن أخطأ المصور في توزيع الصورة، ومن حق أهل الفتاة مقاضاته إن أرادوا ذلك، ومقاضاة آلاف المنشورات التي هاجمت الفتاة قبل أن يقول القضاء كلمته.
لنهدأ قليلًا ونوسع التعقل أكثر، ونتحدث بعقل بارد، ونتجاوز أزمات صغيرة يتم النفخ فيها بحيث تحتل أولوية الأردنيين لساعات وأيام، ودعونا نثق أن القابل أفضل مهما كان حجم النكسات والتراجعات والإخفاقات المجانية وغير المجانية.
لم يعد الوضع يُحتمل، ولم تعد قوانين الجرائم الإلكترونية تفي بالغرض، ومهما حاول او هدد المرء باللجوء للقضاء فإن تنمر بعض الأشخاص وتجبرهم تجاوز كل الحدود.
الحقيقة التي يغفلها كثيرون أن أعداد المتنمرين ليست كبيرة، لكن المشكلة الحقيقية هي في العقلاء الذين يقرأون حالات التنمر ولا يردون عليها، ولا يلتفتون إليها، والعقال هم الأقل مشاركة في الحضور على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومشكلة أخرى يعاني منها بعض العقال والمثقفين إنهم قد ينشرون ما يصل إلى هواتفهم من الغوغاء والدهماء من دون تحقق، وإذا راجعتهم يعترفون فورا أنهم لم يتحققوا ابدا من مصداقيتها.
راجعت، أكثر من صديق، قانونيين ، ودكاترة سياسيين ومثقفين ينشرون كل ما يصل إلى هواتفهم، ويحولونها إلى جروبات مشتركين فيها، هل دققتم ما أرسلتم، بالله العظيم؛ أكثرهم اعترفوا أنهم لم يشاهدوا ما أرسلوا.
حتى الآن لم يتم تحديد من هم قوى الشد العكسي، مع أن أجنداتهم واضحة، يقفون في وجه تيار الإصلاح ويضعون العصي في الدواليب. لكن الذين يؤججون الأردنيين بعضهم على بعض، ويعبثون بالنسيج الاجتماعي والوطني هم أخطر قوى الشد العكسي.
الدايم الله……