بعد حرب الإبادة على غزة المستمرة منذ السابع من أكتوبر عام 2023 لم يعد العديد من الناس يؤمنون بشعارات حقوق الإنسان، وحرية التعبير، والإعلام، فقد قتل الاحتلال الإسرائيلي ما يزيد على 210 صحفيين في غزة في أبشع كارثة عرفتها الانسانية، وحتى الآن لم يتحرك المجتمع المدني لوضع نهاية لهذه المأساة.
في الثالث من ايار من كل عام يحتفل العالم في اليوم العالمي لحرية الصحافة، وهنا نسأل بعد هذه المذبحة للصحفيين الفلسطينيين؛ هل ما يزال ممكنا أن نسأل عن حرية الإعلام، وضمان حقوقه في أي بقعة على وجه الأرض؟، هل يمكن أن نسائل حكوماتنا عن انتهاك هنا، وتجاوزات هناك؟، أليس من العار الاستمرار في التعامل مع معايير مزدوجة، وانتقائية تفصل على مقاس دول العالم القوية؟.
رغم الوجع الذي يسكن فينا منذ حرب الابادة في فلسطين، فما زلنا نتمسك بقيم حقوق الانسان، وحرية الاعلام باعتبارها مصلحة وطنية، لا ندير ظهرنا لها، ولا نفرط بها، ونحث الحكومات المتعاقبة على دعم الصحافة، وحمايتها لأنها تسهم في تحقيق الاصلاح السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، وضرورة لتحقيق التنمية المستدامة.
تجتاح العالم ردة عارمة، والتقارير، والمؤشرات الدولية ترصد تراجعا كبيرا في واقع حرية الاعلام في العالم، وبعد صعود اليمين المتطرف، والحركات الشعبوية للسلطة، باتت دول مصنفة على أنها ديمقراطية توثق بها انتهاكات ضد الحقوق، والحريات العامة، وتراجعت اوضاعها بشكل لافت في التقارير العالمية.
الاردن ليس معزولا عما يحدث في العالم، ويتأثر في التداعيات التي تدور حوله، وتلقي بظلالها عليه، وكان يمكن له أن يحقق ربما قفزات في صون الحقوق والحريات، والتنمية المستدامة لو كان خارج هذا الإقليم المشتعل.
منذ سنوات نعاين المشهد الإعلامي في الأردن، ونستقرأ أبرز التحديات، ويمكن القول إننا نراوح في مكاننا، نتقدم خطوات، ونعود خطوات، ونبقى في المنطقة الرمادية.
لم يعرف الاردن في تاريخ الانتهاكات الجسيمة الخطيرة، كقتل الصحفيين، أو إخفائهم قسرا، او تعرضهم لتعذيب ممنهج، وكانت، وما زالت تحدث عمليات توقيف بسبب التشريعات التي تجيز ذلك، واحكام الحبس القضائية القطعية بحق الصحفيين في آخر 3 عقود لا تتجاوز أصابع اليدين.
يواجه الصحفيون تحديات، ويعيشون ظروفا صعبة، فصناعة الاعلام تتدهور، والصحافة تحتضر، والأمان المعيشي للصحفيين والصحفيات يكاد يكون مفقودا، ولا يتمتعون بمستوى معيشي لائق، والانتهاكات غير الجسيمة حاضرة، وابرزها ضعف تدفق منتظم للمعلومات، وعدم قدرة الصحفيين في الوصول اليها، وتزايد الرقابة المسبقة بشكل مباشر، وغير مباشر، وخاصة من ادارات التحرير، وسيطرة الرقابة الذاتية على الصحفيين، وتزايدها بسبب تعديلات قانون الجرائم الإلكترونية، بعد شيوع العقوبات السالبة للحرية، وتغليظ الغرامات المالية.
ربما يكون التحدي الأصعب هو التعامل مع منصات التواصل الاجتماعي، والاتهامات المتزايدة لها بأنها تصدر خطاب الكراهية، والاخبار الكاذبة، والزائفة، والمضللة، والمستخدمين لها يتعرضون لمساءلة شديدة وفق تعديلات قانون الجرائم الالكترونية، وقصة السوشال ميديا ليست أزمة أردنية، وإنما عالمية، والنقاش العام حول آثارها إيجابا، وسلبا لم يتوقف، والقادم أصعب بعد الانفجار الكبير في استخدامات الذكاء الاصطناعي.
ما تزال هناك أصوات تقول إن واقع حرية الاعلام في الاردن مقبولة، ومعقولة إذا ما تمت مقارنتها بما يحدث في الإقليم، والعالم، والهوامش ما زالت متاحة في الصحافة، والفضاء العام، وهذا صحيح، وهناك فريق اخر يدعو الى توسيع هوامش الحقوق والحريات في البلاد، فهي برأيهم خط الدفاع الاول في مواجهة المخاطر، والمؤامرات التي تحاك ضده، ومنطلقهم في هذه المقاربة أن مجتمعا ديمقراطيا يعني مجتمعا متماسكا، ومتحدا، عصيا على الفتن، قادرا على المواجهة، والصمود.
الغد