عندما يؤكد العالم – وأقصد المختصين منهم من باحثين وأكاديميين وقادة رأي – أن الشعاب المرجانية في العقبة، خاصرة الأردن الجنوبية وبوابته العالمية البحرية، تُسجِّل أعلى نموذج في العالم لقدرتها على الاستجابة لتغير المناخ، وقدرتها على التعافي، وتجاوبها بمرونة غير عادية، فهو أولى خطوات وضع العقبة كمدينة سكنية، وخليجها كبيئة بحرية، على أول سلم أولويات العالم، العامل بجهد واهتمام حقيقي لإيجاد كل الحلول والبدائل لاستدامة تلبي طموح مستقبل أفضل وأكثر سلامة لحياة أجيال قادمة.
قبل أيام، وبأعلى صوت، وبكامل الجدية، أكد جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، وأمام كل مختص ومهتم بالبيئة والمحيطات في العالم أجمع، من دول وهيئات ومنظمات مختصة، الدور والمهمة الأردنية في مستقبل المناخ والاستدامة، بإعلان مبادرات العقبة للاقتصاد الأزرق والمركز العالمي لدعم المحيطات. ليسجل بذلك إستراتيجية وطنية بمشاركة عالمية، لمرحلة هي الأولى من نوعها، تجمع بين البيئة وتكنولوجيا المستقبل، لتؤكد ما تقدمه الأردن من دور محوري عالمي في أبرز ملفات مستقبل التغير المناخي في العالم.
محاور وأدوار أساسية تعزز التوجه نحو مشاريع الاقتصاد الأزرق، والأبحاث في مجال الحياة البحرية، ودورها في صناعة وجه الأردن والمنطقة اقتصاديا وطبيا وسياحيا وبحثيا على مستوى عالمي متقدم، وأكثر من ذلك، في تأسيس حياة مستدامة لبيئة تخدم مدخلات النجاح لكافة القطاعات الحياتية، كونها تمثل أولى مؤشرات تسجيل أي خلل في درجة حرارة الكوكب والمحيطات، من خلال استجابة شعابها المرجانية الممتدة في حيود هي آخر ما نجده في أقصى نقطة في شمال الكرة الأرضية، مما يجعلها أشبه بجرس إنذار وتنبيه مبكر لأكبر خطر قد يواجهه الكوكب في التغير المناخي. وهذا ما يؤكد مكانة العقبة، وضرورة الوعي بمستوى هذه المكانة، لكل من يحاول رصد مخاطر التغير المناخي، والبناء على جودة ما نملكه من فرص تنطلق من بحر العقبة.
في مقابل كل هذا الإنجاز، وفي مرحلة مهمة، يستوجب على القائمين على إنجاح المبادرات عدة مهام أساسية:
أولها، إنهاء بيروقراطية البيئة الرسمية محلياً، والتي تمتهن جمع الملفات، وتسويف القرارات، وإطلاق كافة أنواع التصريحات، وارتفاع عدد الجلسات والسفرات.
ثانيها، الوعي الكامل بالقدرة على إنفاذ الالتزامات المُعلنة والمُوقعة، خصوصا دولياً، وإعداد الفريق القادر على فهم مستوى جدية المرحلة وبنود الالتزام.
ثالثها، بناء بيئة تشريعية قادرة على الاستجابة لتلك الالتزامات الدولية على المستوى الوطني، وضمان الرقابة على تحقيقها.
رابعها، تقبّل وإشراك المجتمعات الملاصقة أو المتعاملة مع البحر، بإنفاذ وإنجاح كافة المبادرات والأنشطة المصاحبة للمرحلة، دون تأخير أو تعطيل لحسابات فردية، مقابل مستقبل البشرية.
خامسها، إلزام لا رجعة فيه في حماية وصَون الحياة البحرية من قبل القطاع الصناعي ومنظومة الموانئ، من خلال خطط استجابة لكل المخاطر المحتملة.
وفي كل ذلك، هناك ضرورة لتسريع العمل، بما يوازي ما قدمناه أمام العالم من مشروع نوعي، حتى نضمن استحقاقات دولية بالخصوص، تتمثل بالدعم والرعاية، بما يحقق المطلوب.
مسؤولية دولية وضعنا أنفسنا أساساً وسط خططها واستراتيجياتها، ومسؤولية وطنية عالية المستوى والمساءلة نعيشها منذ لحظة إطلاق وتأكيد دور منطقتنا – وأقصد العقبة المدينة، وما يجاورها من شراكات إقليمية ودولية، بالحدود والمياه والمهمات – تجعل من قادم الأيام عبئاً وعملاً مشتركاً مهما، لكل منا فيه دور ومكان. وحتى ننجح بما بدأنا، نحتاج اليوم قبل الغد إلى تشكيل خلية عمل من أصحاب الخبرة الدولية في الاختصاص، يسنده فريق تنفيذي وطني متخصص، وبالتأكيد لا عضوية لأسماء تقليدية فيه، من كاتمي العلم والخبرة، ممن رصدنا وعايشنا نموذج عملهم في سنوات الخبرة الوطنية في هذا المجال.
“الغد”