قراءة استراتيجية: تحولات في العقيدة الصهيونية في مواجهة حزب الله وأنصار الله وإيران..محسن الشوبكي

 

تُمثل الحرب الإسرائيلية المفتوحة على حزب الله في لبنان، أنصار الله في اليمن، وإيران بُعدًا جديدًا في التفكير الأمني والعسكري الصهيوني، ليس فقط من حيث الأهداف التكتيكية، بل أيضًا من حيث الأدوات والأساليب التي تُعيد تشكيل قواعد الاشتباك في الإقليم. ويمكن استخلاص ثلاث قضايا استراتيجية تستحق الدراسة والتحليل في هذا السياق:

أولًا: التطور الاستخباراتي وتحول المعلومات إلى نيران دقيقة : لم تعد العمليات الاستخبارية الصهيوني تُعنى فقط بجمع المعلومات وتخزينها، بل أصبحت عملية إنتاج المعلومة مرتبطة عضويًا بالفعل العسكري. فقد استهدفت الاستخبارات الإسرائيلية، على سبيل المثال، أدوات التزويد والاتصال مثل شبكات البيجر لحزب الله، وعملت على إنشاء نقاط أمنية متقدمة لاكتشاف وتحديد الأهداف في الوقت الحقيقي. هذا التزاوج بين الرصد والضرب بات يشكل أساسًا جديدًا في عمليات “الاستهداف الذكي”، وهو ما ظهر جليًا في العمق الإيراني من خلال ضرب منشآت أو مقرات بعد مراقبة دقيقة طويلة الأمد.

ثانيًا: تفكيك الهرمية القيادية كأداة لإرباك الخصم : ركز الكيان على نقاط الضعف الهيكلية داخل تنظيمات الخصم من خلال استهداف مباشر للأفراد الذين يُشكل وجودهم نقطة ثقل تنظيمية ونفسية. وتبدو هذه الاستراتيجية مبنية على فرضية أن بعض الشخصيات تمثل “مفاتيح حيوية” للاتصال واتخاذ القرار، وأن اغتيالهم لا يخلّ فقط بالتوازن القيادي بل يُحدث صدمة داخلية يصعب احتواؤها بسرعة. يتضح هذا من عمليات استهداف كبار المستشارين العسكريين الإيرانيين ، وامتداد التهديد ليطال شخصيات على رأس هرم السلطة مثل المرشد الأعلى علي خامنئي كأداة ضغط قصوى.

ثالثًا: استخدام العنف الممنهج ضد المدنيين لأغراض سياسية ونفسية : اعتمد الكيان في ساحة المواجهة على سياسة “الضغط الشامل” من خلال التدمير واسع النطاق للبنية التحتية والمناطق المدنية، ما يحمل أبعادًا مزدوجة: الأول يتعلق بعزل التنظيم والنظام في ايران عن حاضنتها الاجتماعية، والثاني يتعلق بتحفيز الرأي العام المحلي على مساءلة جدوى الاصطفاف خلف هذه التنظيمات. هذه السياسة، رغم خطورتها القانونية والإنسانية، تحمل في طياتها محاولة إعادة رسم العلاقة بين تلك التنظيمات والانظمة ومجتمعاتها بما يخدم أهدافًا استراتيجية تتجاوز الميدان العسكري.

بالمجمل تشير هذه المحاور إلى أن الكيان لم يعد يتعامل مع خصومه التقليديين ضمن قوالب الحرب السابقة، بل بات يبني استراتيجيات هجينة تمزج بين التقنية، والسيكولوجيا، والعمل الميداني الديناميكي.