حكايتي مع “زعل وخضرا” ومسيرة نجاح بالتلفزيون والمسرح بقلم-عاطف ابوحجر

ليست كل الحكايات تبدأ بخطة أو بضربة حظ… بعضها يولد من صدفة، من كلمة، من موقف صريح في لحظة عفوية.
تبدأ حكايتي مع فرقة “زعل وخضرا” من مشهد بسيط لكنه غيّر مجرى حياتي:
كلمة عتاب في جلسة فنية، ورسالة لم يُردّ عليها، وأمنية دفينة أن تصل كلمتي إلى الناس من خلال الكوميديا الذكية والنقد الهادف.
لكن “زعل وخضرا” لم تكن مجرد تجربة فنية عابرة، بل كانت حالة وطنية شعبية بامتياز. مشروع فني متكامل يمزج بين الدراما التلفزيونية والمسرح السياسي الاجتماعي الشعبي، مسرح يعالج القضايا اليومية للمواطن الأردني، ويعرض التناقضات والهموم العامة بأسلوب ساخر يلامس القلب والعقل، ويتوّج ذلك كله بأغانٍ تُكتب خصيصًا لتتناسب مع أحداث ومشاهد العرض.
عام 2005، كنت أزور صديقي المرحوم عماد جابر في مركز الفنون. في تلك الجلسة التي جمعتني مع أصدقاء وفنانين ، كان من بينهم المطرب فؤاد حجازي.
دخل علينا الفنان حسن سبايلة – الشهير بشخصية “زعل” – بوجهه المألوف وبساطته المحببة،”وكانت هذه أول مرة نلتقي فيها شخصيًا.” ،سلم على الجميع. وعندما صافحني، قلت له بعفوية صادقة:
“أنا عاتب عليك أستاذ حسن، ببعتلك رسائل على الرقم الموجود بإعلان مسرحية نبيل صوالحة، وما بترد!”
ثم أضفت:
“الجمهور يا أستاذ حسن هو رصيدك الأول، وإذا فقدته، فقدت نفسك.”
اعتذر بكل احترام، وأكد أنه لم يستلم الرسائل، وأضاف:
“حقك فوق راسي… كيف بقدر أخدمك؟”
أجبته فورًا:
“أنا بكتب حلقات كوميدية.”
“وكان حينها قد عُرض الجزء الأول من مسلسل (هيك ومش هيك – زعل وخضرا)، على شاشة التلفزيون الاردني وحقق نجاحًا كبيرًا.”
قال لي سجّل :و”بتشرّف أشوف نصوصك، وإن شاء الله خير.”
بعد أسبوعين، تلقّيت اتصالًا منه:
“يلا يا معلّم… فرجينا شطارتك ومواهبك! التلفزيون طالب 30 حلقة لمسلسل رمضاني، خلينا نقدم نصوص من مجموعة كتّاب، وانت واحد منهم.”
عندما سمعت أسماء المتقدمين، شعرت أنني خارج الحسابات. كلهم كتاب معروفون على مستوى الأردن. لكني كتبت وقدّمت نصوصي.
بعد أسبوع… اتصل بي حسن وقال:
“مبروك! اللجنة اختارتني أنا وإياك وأحمد حسن الزعبي لكتابة المسلسل.”
لم أصدق. فرحة لم تعادلها فرحة
بدأنا الكتابة سويًا، وكانت اللقاءات تتم في المركز الثقافي الملكي حيث كان يعمل حسن. لم تعجبه النسخ الأولى من النصوص، وطلب تعديلها،وأعدت الكتابة مرات عديدة، حذف مشاهد، وإضافة أخرى.
وكان دائمًا يمازحني:
“هيك تمام… بس إنت بترغي كثير بالكتابة! اختصر بالحوار يا عاطف!”
بعد جلسات عصف فكري مع حسن سبايلة والمخرج عصام مشربش، والمخرج المنفذ ايمن ناصرالدين،”اتفقنا على الأفكار المطروحة من الجميع لكتابتها في حلقات المسلسل.” . واقترح حسن أن أتولى مهمة مدير الإنتاج، وأشارك كممثل أيضًا إلى جانب الكتابة.
تم التصوير في إحدى قرى وادي السير، بمشاركة نخبة من نجوم الأردن:
داود جلاجل، عثمان الشمالي، سعد الدين عطية، علي عبد العزيز، هيفاء الأغا – رحمهم الله جميعًا – إضافة إلى نخبة من الفنانين الشباب،والنجوم نبيل صوالحة،مازن عجاوي،شاكرجابر،عبدالكريم القواسمة،……
نجح المسلسل نجاحًا لافتًا، وواصلنا المسيرة بالأجزاء التالية: الثالث والرابع، بنفس الفريق والإصرار.
بالتوازي مع النجاح التلفزيوني، قدّمت فرقة “زعل وخضرا” عروضًا مسرحية سياسية اجتماعية شعبية في كل محافظات المملكة.كنا ندخل المسارح نتفاجأ بغنّا الجمهور بصوتٍ واحد
حكومتنا الرشيدة، لكتب فيكِ قصيد
شوماعملتي شو ماقلتي صفينا عالحديدة
ونفرح بالتصفيق الحار،
كنا نضع وجع المواطن اليومي على المسرح:
البطالة، الفساد، الفقر، ارتفاع الأسعار، التمييز، الواسطة… كلها كانت موادًا نحولها لنقد ساخر ذكي، مدعّم بأغانٍ جديدة تُكتب لتخدم الفكرة وتُبقي الجمهور منتبهًا ومتفاعلًا.
كان مسرحنا قريبًا من الناس… لأنه يتحدث بلسانهم، ويضحكهم على وجعهم.
رانيا إسماعيل (خضرا)، كانت روح المسرح. ثنائية “زعل وخضرا” لم تكن تمثيلًا فقط، بل كانت امتدادًا حقيقيًا للشارع الأردني في صورة رجل وامرأة يحلمان بوطن كريم وعدالة حقيقية.
من جلسة عتاب… إلى شراكة كتابة… إلى عمل رمضاني… إلى جولات مسرحية في كافة مدن وقرى المملكة ومخيماتها…حتى قدمنا عروض داخل السجون،
كانت هذه رحلتي مع “زعل وخضرا”.
فرقة “زعل وخضرا” لم تكن مجرد فرقة فنية، بل حالة وطنية، ومشروع شعبوي عميق جعل الفن أداة تغيير وصوت حق.
كل الشكر للزميل الفنان حسن سبايلة (زعل)الذي علمني الكثير وله كل الفضل، وللفنانة رانيا إسماعيل (خضرا)، “والتي تألقت مؤخرًا في تكريمها في مهرجان الإذاعة والتلفزيون الأخير في تونس””ولكل من آمن بالمواهب الشابة والأفكار الجديدة، وأعطاهم الفرصة الأولى لإثبات النفس والتألق والنجاح.”