“تحت الأقدام: حين تتكلم الكرامة ويسقط المتسلقون”وليد حياصات

عندما يحاولون اللعب معك ذكرهم بأنك لاعب متقاعد خلال رحلتي العملية التي تجاوزت أكثر من ربع قرن، قابلت الكثير، من أصحاب المبادئ الذين يمشون بثبات على دروب النزاهة، ومن الساقطين الذين لا يرتفعون عن مواضع أقدامهم. قد يتساءل البعض: لماذا أصفهم بالساقطين؟ ببساطة، لأن كرامتهم ورجولتهم لا تتجاوز المسافة بين قدمي والأرض عندما أجلس واضعًا رجلًا على رجل.

هذا النوع من البشر يعيش على الهدم، لا البناء، لا يملك إلا لسانًا طويلًا وظهرًا محنيًا، تراه في كل مجلس يتقمص دور الناصح والوطني، لكنه في الحقيقة مجرد تاجر كلام، يبيع الوهم لمن يصدق، وينسج الأكاذيب لمن يدفع. هم أنفسهم الذين لا يعرفون من الرجولة إلا شعار “يا لعيب يا خريب”، بينما الرجولة الحقيقية تعني أن تكون لعيبًا فقط، لا خريبًا أبدًا.

يقتاتون على الفتات، ويظنون أن رفع أصواتهم سيجعلهم أكثر شبعًا، لكنهم أشبه بالجِراء، يعوون حتى وهم ممتلئون، لأن الجوع الذي بداخلهم ليس جوع بطن، بل جوع نفوس خاوية. يكتبون كثيرًا، يتحدثون أكثر، يثرثرون في كل مجلس، يهاجمون كل شيء، لكنهم لم يتركوا بصمة حقيقية لوطنهم، لم يبنوا جدارًا، ولم يزرعوا فكرة، ولم يقدموا شيئًا إلا ضجيجًا لا يترك أثرًا إلا في آذان من يضطر لسماعهم.

هم ليسوا أصحاب رأي، بل أصحاب مصلحة، يحركهم الطمع لا الضمير، يرفعون الشعارات لا القيم، يصرخون باسم الوطن لكنهم ينهشونه من الداخل، وكأنهم لا يرتاحون إلا إذا امتلأت جيوبهم ولو كان الثمن كرامتهم. هؤلاء لا يستحقون سوى الازدراء، لأنهم مهما حاولوا الصعود، سيبقون في مواضعهم الحقيقية… تحت الأقدام.